صلاح الجودر


الاحتفالات التي تصاحب الأعياد الدينية والوطنية والاجتماعية ترتكز في المقام الأول على الأناشيد والأهازيج القديمة لتصدح في الفرجان (المناطق) والسكيك (الطرقات) وعلى السواحل وفي المراكز والأندية والمجالس لتشكل صورة بانورامية جميلة حين يجتمع الأهالي في مكان واحد رافعين راية وطنهم خفاقة للتأكيد على الولاء، ولتؤكد على ارتباط أبنائها بعمق الانتماء العروبي، فهي نفس الأناشيد والأهازيج التي نراها في عواصم الدول العربية والخليجية الأخرى مع فارق في المسميات مثل (القرقاعون والقرقيعان والقرنقيعان وغيرها)، وهي مسميات مختلفة لاحتفالات متعددة ومتشابهة.
عيدكم مبارك، وحياك الله يا رمضان، وقرقاعون هو يا الصيام، وحية بية، وغيرها من الفلوكلور الشعبي الجميل الذي حافظ عليه أبناء هذا المجتمع رغم محاولات المسخ والتشويه من قبل مراكز التواصل الاجتماعي التي تستهدف تغير الهوية، وتصوير تلك الاحتفالات على انها من البدع والمنكرات، كل ذلك وغيره الهدف منه تغيير هوية هذا المجتمع العروبي.
ليس عيبًا ان تتمازج الشعوب والمجتمعات، وان تؤثر وتتأثر بالثقافات، فهذه ظاهرة صحية تدفع الى مزيد من العطاء والبناء والنماء، ولكن ان تمسخ الهوية الأصلية او ان تستبدل بهوية أخرى فهذه طامة كبرى، لذا تنفق الكثير من الدول الأموال من أجل الحفاظ على هويتها وخصوصيتها، فما بالنا والمجتمعات العربية تمتلك مخزون تراثي وتاريخي كبير سواء على مستوى الحكوات او القصص او الفلكلور.
من هنا فإن مسؤولية المجتمعات العربية المحافظة على هويتها وخصوصيتها، وذلك عبر عدة محطات ومنها المحافظة على أصول اللغة وقواعدها، ولغتنا العربية استطاعت الصمود والثبات رغم التحديات وعوامل التعرية التي اصيبت بها، وفي العولمة الحديثة تموت 25 لغة سنوياً من أصل 6000 لغة قد أشارت لها بعض الأبحاث العلمية والتي تتوقع ان يختفي نصفها مع نهاية القرن الحالي!!
فلغتنا العربية هي جزء من هويتنا، لذا هي اليوم تتعرض لمخطط التدمير كما تتعرض له منطقتنا من الجماعات الإرهابية، لذا فإن دراسة هذه الظاهرة أصبحت من الأهمية بمكان، والمجتمع البحريني ليس بمعزل عن المجتمعات العربية فهو يتعرض الى مثل تلك الحالة، وأحيانًا بمساعدة أبناء المجتمع دون علم منهم، فنجد ان البعض أصبح لا يتكلم اللغة العربية ولا يستطيع القراءة والكتابة، وهذه الاشكالية وقعت فيها الكثير من الأسر حين أدخلت ابناءها في المدارس الأجنبية دون مراعاة المادة الأساسية وهي مادة اللغة العربية.
وهناك أشكالية أخرى في المجتمع البحريني وهي الفلكلور الشعبي، فكل المجتمعات لها فنونها الشعبية التي تعكس تاريخها وهويتها، والمؤسف ان المجتمع البحريني تعرض لحملات تسقيط لتلك الفنون الشعبية، والاستهزاء بها ومحاولة تبديعها وتفسيقعًا، فتم محاولة تقسيط احتفالية (الحية بية) والتي تقام مغربية يوم عرفة، وكذلك احتفالية (القرقاعون) وهي في النصف من شهر رمضان، واحتفالية (الوداع) أواخر شهر رمضان، واحتفالية (ختم القرآن) حين يتمم الصغير حفظ القران الكريم، وغيرها كثير من الفلكلور الشعبي الجميل.
حتى سنوات قليلة كانت الكثير من دول المنطقة في غفلة من مخطط استهداف الهوية، ولكنها أفاقت فبدأت في استرجاع ذلك الفلوكلور الجميل للتاكيد على الهوية الوطنية، بل واستفادت وزارات الإعلام والتراث والسياحة من ذلك الأرث للترويج والإعلان، وأصبح مقصد الكثير من السياح الذين يبحثون عن هوية المجتمعات التي يقومون بزيارتها.
من هنا فإن أفضل المناسبات التي يمكن عرض الموروث القديم هو في الاحتفالات السنوية، لذا نحن في حاجة ماسة لتربية الناشئة على تلك الأناشيد والأهازيج التي تعكس الصورة الحقيقة للمجتمع البحريني، ويجب التصدي للدعوات التي تطالب بمسح تلك الهوية تحت دعاوى دينية، والدين منها براء!!