حزب الله لا يضمن لأفراده وللمجتمع سوى الشهادة. وهو في ذلك يلتقي مع كل التنظيمات الدينية والجهادية.

فاروق يوسف 

ما من إرهاب أشدّ خطورة على المجتمعات في حاضرها ومستقبلها مثل ذلك الإرهاب الذي تمارسه عصابات تتخذ مما يُسمى بالشرعية الثورية قاعدة تكتسب من خلالها الحق في كل ما تقوله وكل ما تفعله. وبسبب تلك الشرعية المجازية سخر الانقلابيون العرب أكثر من 50 سنة من الديمقراطية باعتبارها اختراعا غربيا لا ينسجم مع تقاليد الحكم المكرّسة تراثيا في العالم العربي.

فالشرعية الثورية تتيح لمَن يتمتع بها أن يحكم مدى الحياة وأن يحتكر الحكم عائليا، فتكون البلاد، بما فيها وما عليها، جزءا من إرثه الخاص وهو ما جرى في كوريا الشمالية وكوبا وسوريا، وما كاد يقع في ليبيا واليمن لولا ما شهده البلَدان من اضطرابات أدّت إلى سقوط النظامين فيهما.

أما أن تستمدّ عصابة أسباب وجودها من شرعيتين هما الشرعية الدينية والشرعية الثورية مثلما يفعل حزب الله في لبنان، فإن ذلك معناه أن على المجتمع الذي يخضع لمشيئة تلك العصابة انتظار هلاكه المحتوم.ذلك لأن عصابة الشرعيتين لا ترى قيمة في حق الحياة عكس الشرعية الثورية التي حاولت أن تبني نموذجا مضادا للنظام الرأسمالي بتبنيها قيما اشتراكية تضمن للفرد الحدود الدنيا من أسباب العيش.

حزب الله بشرعيته المزدوجة لا يضمن لأفراده وللمجتمع سوى الشهادة. وهو في ذلك يلتقي مع كل الأحزاب والتنظيمات الدينية والجهادية من نوع جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمي القاعدة وداعش.

شرعية تلك الجماعات قائمة على القبول بالموت انتحارا حلا مشرفا يُعلي من شأن صاحبه. وهنا يمكنني أن أتذكر بأسى الشعار الذي أطلقه صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي “العراقي مشروع استشهاد دائم”. الموت هو الأصل وليست الحياة. غير أن مشكلة حزب الله تكمن في التوقيت الخطأ.

لم يعد النظام القائم على الشرعية الثورية مقبولا في عصرنا. لا لأن زمن العقائد الشمولية قد انتهى فحسب، بل لأن الإنسان بسبب تطور عالم الاتصالات قد تغير بطريقة جذرية. وصارت المعلومات متاحة بطريقة لا يمكن التحكم بها. لذلك لا يملك حسن نصرالله سوى أن يعود إلى شرعيته الدينية الملفقة من أجل التأثير على الجمهور.

يفترض السيد أنه يقول الحق حتى وإن كان يكذب وهو يفعل ذلك دائما. يفرض السيد أيضا على جمهوره أن يصدقه باعتباره سيدا، ممثلا لولي الفقيه والمرجعية الدينية التي تسيطر على الطرق المؤدية إلى عالم الغيب.

فنصرالله كما اعترف بنفسه مجرد جندي لدى الولي الفقيه الذي يلعب دور ممثل الله في الأرض. وهو ما يعني أن الرجل يخدم الأجندة الإيرانية التي هي سياسة دولة تسعى إلى التمدد على حساب الدول الأخرى. مسعى إيران الدنيوي يكشف عن وضاعة الدور الذي يلعبه حزب الله وهو يسعى إلى جرّ المغفلين إلى الموت تحت شعار الشهادة.

رهان حزب الله على الموت سيكون خاسرا فالمستقبل للحياة ولا مستقبل مع الموت، غير أن السكوت على شرعية حزب الله المزورة من شأنه أن يقود إلى كارثة مؤكدة.

 

كاتب عراقي

فاروق يوسف