صفوق الشمري

على الخليجيين ألا ينتظروا نقل المعركة إلى أرضهم، فالمسألة مجرد وقت، فالنظام الإيراني لن يغير سلوكه، وألا يستكينوا للوعود الاقتصادية والسياسية إذا لم يكن هناك تغيير سياسي

يقول المثل بيضة الشيطان لا تنتج إلا شيطانا، إن محاولة إعادة تأهيل أو ولادة الشيطان لا تنتج إلا شيطانا مهما تغير الشكل. هناك مشكلة، نعم هناك مشكلة كبيرة! فعندما يكتب خبيران مخضرمان في الأزمة السورية مثل روبرت فورد السفير الأميركي السابق في سورية وتشارز ليستر المحلل السياسي عن تشاؤمهما وأسفهما على 
ما آلت إليه الثورة السورية، فيجب أن يُؤخذ كلامهما على محمل الجد، فقد دقا ناقوس الخطر وبقوة لأسباب عديدة! ربما لا يوجد مسؤول سابق أو حالي في أميركا يعرف سورية مثل روبرت فورد، ليس هذا وحسب بل هو رجل وقف مع الشعب السوري رغم خذلان إدارته، وربما هو المسؤول الأميركي الوحيد في كل الإدارات سواءا السابقة أو الحالية الذي يهتم ويساند الشعب السوري بشكل شخصي رغم تقاعده، وليس كما يفعل بقية المسؤولين: كلام معسول دون أفعال، فلقد اختلف بشدة مع إدارة أوباما وانتقدها بقوة، وأيضا انتقد تساهل الإدارات الأميركية في تورط (حزب الشيطان) وإيران وميليشياتها في سورية.
أما الخبير الآخر فهو تشارز ليستر الزميل في مركز الشرق الأوسط، متتبع نشط للأزمة السورية، ويمتلك مصداقية جيدة في تحليل الوضع السوري، بالإضافة إلى علاقاته المتعددة مع الأطراف السورية، وهو رجل مناصر للشعب السوري كما يفرض المنطق على كل عاقل يملك ذرة بشرية.
هناك أخبار متعددة المصادر تقول إن هنالك محاولات من رعاة النظام السوري مثل روسيا وغيرها، يحاولون تسويق إعادة تأهيل النظام السوري مع رئيسه بشار الأسد المسؤول عن مقتل وتشريد الملايين، وهناك معادلة جديدة غريبة تقول إن هذه المجموعة قادرة على إبعاد النظام الفاشي السوري عن نظام الشيطان الإيراني. وهذه مقاربة غير واقعية وغير عملية أبدا، فلن يتخلى النظام السوري عن إيران وحزب الشيطان، لأنه علق مصيره بمصيرهم، وأكبر دليل هو استخدام السلاح الكيماوي من خلف ظهر الحليف الروسي بتحريض من إيران، الروس عرفوا الموضوع لكنهم أنكروه حتى لا يظهروا بمظهر أنهم لا يتحكمون بحليفهم، لكن الموضوع كان إشارة إلى أن النفوذ الإيراني أقوى من الروسي على النظام السوري. 
إيران تلعب مع الروس في سورية نفس لعبة العراق، هي تقول الروس غرباء عن المنطقة، وفي يوم ما سيرحلون مثلما رحل الأمريكان من العراق، ويحلمون ببقاء نفوذهم، فإيران تحلم بما يسمى هلال الشر الفارسي من العراق إلى سورية وصولا إلى لبنان، ونظام الفقيه يؤمن بالقوة المحسوسة، وبما أن له مليشيات على الأرض، فإنه يريد ضمان النفوذ، وفي النهاية من يملك قوات مسلحة هو المسيطر بغض النظر عمن يملك نفوذا ماليا أو شعبيا، والدليل لبنان حزب الله خسر الانتخابات، وأقل ثراء من كثير من ساسة لبنان، لكنه المسيطر على الحكومة بما
لديه من قوات مسلحة، إيران تريد استنساخ التجربة في العراق وسورية.
يجب ألا يقع المرء في خدعة الاختيار بين داعش والأسد، وأخف الشرين، فالنظام السوري هو الأب الشرعي لداعش، ومهما حاول هذا النظام الغاشم تحسين صورته فإن مقولة وليم شكسبير تنطبق عليه «إن الشيطان يستطيع الاستشهاد بالكتاب المقدس للحصول على غرضه»، النظام السوري يحاول تسويق نفسه بمحاربة حليفيه السابقين داعش والقاعدة، يجب ألا ينسى الإنسان ويتذكر دائما أن الأسد هو المسؤول عن مقتل نصف مليون سوري 
وتشريد عدة ملايين في أكبر جريمة إبادة في القرن الحالي.
ما يهمنا في دول الخليج كبشر أولا ألا ينجو هذا السفاح بجرائمه، أما من الناحية السياسية فيجب ألا يكتمل هلال الشر الإيراني، لأن هدفه الأول محاصرة العرب وخصوصا الخليج.
تأخر العرب دون شك في التدخل بسورية حتى أتى التدخل الروسي وقلب المعادلة، لكن هذا ليس نهاية المطاف، فهناك دائما فرصة عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي الخليجي، ربما أنتمي إلى مدرسة الواقعية الجديدة، فلا نؤمن بالوعود والاتفاقات بل بالقوة الملموسة، إن أي وعود من النظام أو حلفائه لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ومن يضمن أن حلفاءه قادرون على تنفيذها، فإيران والنظام السوري مبدعان في تمييع الوعود وعدم تنفيذها، صفقة الكيماوي كانت بين الدولتين الكبريين في العالم ومع ذلك نقضه النظام السوري، صفقة إعادة المالكي سيئ الذكر مع علاوي كانت بين أميركا وإيران، وفور تولي المالكي الحكم ركن منصب علاوي على الرف، ومواعيد الحوثيين في اليمن لا تستمر ولو ليوم واحد! 
على الخليجيين ألا ينتظروا نقل المعركة إلى أرضهم، فالمسألة مجرد وقت، فالنظام الإيراني لن يغير سلوكه، وألا يستكينوا للوعود الاقتصادية والسياسية إذا لم يكن هناك تغيير سياسي، وتصحبه في نفس الوقت قوات على الأرض في سورية، ويجب ألا يقال إن الخليج تخلى عن حلفائه بينما إيران استمرت، لقد تأخر الخليجيون جدا وجدا في نقل المعركة إلى الأرض الإيرانية، فإيران لن تتوقف إلا إذا أحست بالحريق في بيتها، انظروا الاتفاق النووي رغم سوئه فإنه وضع بعض القيود على إيران، لأنها أحست بضغط العقوبات على الداخل الضعيف، إن المعادلة الأفضل لاستقرار الشرق الأوسط هي أن تذوق إيران السم الذي تطبخه، فمتى تتحقق العدالة وتذوق إيران طعم الذي فعلته بالعرب؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغل بال كل سياسي في الخليج، يجب ألا يضيع أمن الخليج المستقبلي 
من أجل وعود، فاضربوا أذناب إيران في المنطقة بكل قوة دون رحمة، وما المانع من زرع الحرائق في دولة واحدة متعددة العرقيات المسحوقة مثل إيران من أجل سلام 17 دولة، لا يذكر أحد المثاليات، فإيران قتلت نصف مليون عربي في سورية ولم يطرف لها جفن، 
أليس هم من تطرق لمعادلة أهون الشرين؟! فحرائق الداخل الإيراني أهون بكثير من حرائق عدة دول عربية، وأفضل لمستقبل المنطقة.