نذير رضا

يوسّط رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري روسيا لإنجاز ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، بعد 7 سنوات على اتفاق بين الحكومتين جُمّد إثر اندلاع الحرب السورية.
ويتجاوز الحريري، في هذه الخطوة الأولى من نوعها على صعيد توسيط طرف دولي بشكل علني لحلّ الملف، إشكالية سياسية مرتبطة بالجدل السياسي القائم حول التنسيق بين بيروت ودمشق؛ إذ تمكن الحكومة اللبنانية من حل الملف، من غير التواصل مع دمشق.


وتعد الحدود غير المرسمة بين البلدين، أبرز الملفات العالقة منذ استقلال لبنان. وفي ظل غياب حدود واضحة، ثبّت الجيش اللبناني إثر عملية «فجر الجرود» الأخيرة، نقاطه العسكرية على النقاط الحدودية التي تثبتها الخرائط بحوزته، بعد طرد تنظيم داعش من مناطق حدودية كان يسيطر عليها في شرق لبنان.
واصطدمت جهود الترسيم بعد عام 2005، بـ«تمييع سوري» لمطالب لبنانية، بالنظر إلى أن بعض النقاط الحدودية التي تعد مناطق نزاع حدودية، تستخدم للتهريب على ضفتي الحدود. وبات ملف ترسيم الحدود بين البلدين ساخناً في الداخل اللبناني بعد حرب يوليو (تموز) 2006 بين لبنان وإسرائيل، وصدور القرار «1701» الذي يشمل ضبط الحدود اللبنانية كافة، وهو ما دفع برئيس الحكومة في عام 2010 سعد الحريري لإثارة القضية مع الجانب السوري خلال زيارته إلى دمشق، وجُمّد الملف إثر اندلاع الأزمة السورية في 2011.
ويترتب على إعادة تفعيل اللجان المشتركة لترسيم الحدود التي شكلت بين البلدين في يوليو 2010؛ «تواصل بين الحكومتين كما حصل إثر زيارة الحريري في 2010 إلى دمشق»، بحسب ما قالت مصادر لبنانية بارزة مطلعة على الملف لـ«الشرق الأوسط». 
لكن هذا الأمر غير متاح في هذه الفترة على ضوء الانقسامات السياسية اللبنانية على قضية التواصل مع النظام السوري، وهو ما دفع بالحريري لتوسيط روسيا التي «تعد القوة الأولى في سوريا وتستطيع أن تفعل أي شيء»، بحسب ما يقول «تيار المستقبل».
ويقول عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب محمد قباني لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان النظام يراهن على زيارة رئيس الحكومة إلى دمشق لإعادة تفعيل اللجان المشتركة للترسيم، فإن هذه الزيارة لن تتكرر بالتأكيد»، مؤكداً أن موسكو «تستطيع أن تحل هذا الملف»، مستنداً إلى أن «النظام لا يستطيع رفض أي طلب لروسيا إذا كانت متجاوبة مع هذا المطلب، ولا يستطيع حتى أن يناقش بالموضوع».
وتحدثت مصادر «المستقبل» أمس عن أن الحريري سيثير مع المسؤولين الروس الطلب من النظام السوري إتمام عملية ترسيم وتحديد الحدود لأنه متوقف بين البلدين. وحاولت الحكومة اللبنانية في عام 2010 ترسيم الحدود، لكن الجانب السوري لم يتجاوب معها، مشيرة إلى أنه «لو تمكنت من ذلك في حينه لم تكن اليوم لتواجه ما واجهته من مشكلات مع (داعش) وغيره، لأن الحدود التي يعرف الجميع أنها لبنانية والخرائط الموجودة تشير إلى ذلك هي المناطق التي كانت يوجد فيها عناصر (داعش) في البقاع، وهذا أمر يجب أن يتم».
وتكتنف ملف ترسيم الحدود تعقيدات كثيرة، ضاعفها النظام السوري بتمنعه عملياً عن الخوض بها، رغم إعلانه الموافقة عليها، بدليل تشكيل لجنة مشتركة لبنانية وسورية لترسيم الحدود في عام 2010 تبدأ بترسيم الحدود من البحر في شمال لبنان، وصولاً إلى شرق لبنان وجنوب شرقي لبنان، من غير أن يشمل ترسيم الحدود مزارع شبعا، وهي نقطة نزاع حدودي أيضاً بين لبنان وسوريا وإسرائيل.
لكن هذه اللجنة لم تنجز شيئا، بعد تذرع الطرف السوري بأن أعضاء اللجنة عن الطرف السوري هم أنفسهم كانوا مشغولين بترسيم الحدود مع الأردن، قبل أن ينتهي الملف بعد اندلاع الأزمة السورية، وفتحت التنظيمات المتشددة الحدود على مصراعيها، بحسب ما قالت المصادر المطلعة على الملف لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدة في الوقت نفسه أن الطرف السوري «لم يعارض يوماً هذه القضية، لكن الحكومات اللبنانية بعد حكومة الحريري الأولى (2009 - 2011) لم تطرح قضية تفعيل اللجان المشتركة مع الحكومة السورية».
وإذا كانت الحرب السورية قضت على الجهود لترسيم الحدود، فإن الحرب اللبنانية التي اندلعت في عام 1975 قضت على جهود استكمال ترسيم الحدود التي بدأت في عام 1964. وعملت اللجان المشتركة بين البلدين خلال 10 سنوات على تثبيت معظم النقاط الحدودية على الخرائط، تمهيداً لتلزيمها إلى شركات متخصصة بتنفيذ الخرائط. لكن الفترة التي تلت الحرب اللبنانية في 1990 و2005 لم تشهد أي حراك لترسيم الحدود. وتقول مصادر إن ثمة عرفا يحكم النزاعات بين المزارعين في المناطق الحدودية، يحكمه اتفاق مبدئي بأن المناطق غير المرسمة حدودياً، تبقى كما هي، وتحل مشكلات المزارعين ضمن لجان مشتركة تعيد الأمور إلى ما كانت عليه.
وتمثل الآن المناطق الحدودية في شرق لبنان، لا سيما جرود عرسال وجرود رأس بعلبك وجرود قرى بعلبك، أبرز المناطق الحدودية التي تتسم بنزاعات حدودية بين لبنان وسوريا. وكانت قبل الحرب السورية توجد المناطق الفارغة من سيطرة الجانبين بينما كانت قوات «الهجانة» السورية توجد على الضفة السورية من الحدود في محاولة ضبطها أمام حركة المهربين.