هادي اليامي

إننا كمسلمين مطالبون بمد يد العون للروهينجا، وتقديم قضيتهم على ما سواها، فأرواح البشر هي أكثر ما ينبغي التركيز عليه

فيما يواجه مسلمو الروهينجا في ميانمار أكبر أزمة إنسانية تستهدف وجودهم، ويتصدون بأيديهم الخاوية وصدورهم العارية لجيش بلادهم الذي انصرف عن مهامه الأساسية، وتفرغ لقتل الأطفال والنساء وكبار السن، يتمسك العالم بالوقوف في موقف المتفرج، وتسقط مؤسساته الدولية المعنية بحقوق الإنسان مرة أخرى في اختبار المصداقية، عندما تلوذ بالصمت المطبق، وتكتفي ببيانات الشجب والإدانة التي تصدر بشكل خجول بين فترة وأخرى، وهي بيانات عديمة القيمة، لم توقف عمليات القتل المنظمة التي يتعرض لها المدنيون العزل، ولم تصل حتى لإدانة تلك الهجمات، والمثير للأسف أن زعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، التي سبق أن منحت جائزة نوبل للسلام، أظهرت تعاطفا وتواطؤا مع المجرمين الذين قتلوا خلال فترة وجيزة ما لا يقل عن ألف مدني، معظمهم من الأطفال والنساء في موجة العنف المستمرة حاليا، ومع ذلك رفض معهد نوبل سحب الجائزة منها، رغم أن 400 ألف من الشخصيات البارزة حول العالم رفعوا مذكرة بهذا الخصوص.
لم تثر مناظر الأطفال وهم مقطوعو الأيدي والأرجل، ولا مشاهد النساء وهن يتعرضن للقتل والاغتصاب على أيدي الجنود الغلاظ مشاعر أحد من قادة العالم، ولم تتكرم الدول الكبرى حتى بممارسة الضغوط السياسية على ساسة ميانمار، ولم يسارع مجلس الأمن بالتحرك وإلزام نايبيداو بسحب جنودها وتقديم الجناة إلى منصات العدالة الدولية، وهذا الموقف يثبت حقيقة واحدة، أن العالم لم يعد فيه مكان لضعيف، وأن الأجندات السياسية هي التي تحرك الدول الكبرى وتتحكم حتى في المنظمات المعنية بالحفاظ على حقوق الإنسان. وبعد أن تنتهي موجة العنف الأخيرة قد تتحرك بعض تلك الدول لتحسين صورتها وتزييف حقيقتها، بإرسال مساعدات لذوي الضحايا، لكنها لن تكون ذات تأثير، فالمال لا يعيد الروح للأجساد التي فارقت الحياة.


اللافت في الأمر أنه حتى منظمات حقوق الإنسان التزمت ذات الصمت المشبوه، رغم أن مبادئ القانون الدولي تحرم سياسة العقاب الجماعي، فما اقترفه جنود ميانمار يرقى إلى تصنيفه ضمن التصفية الجسدية والجرائم الموجهة ضد الإنسانية، لاسيما أن تلك الجرائم ارتكبت ضد مدنيين عزل، يعانون أصلا من ظروف إنسانية بالغة السوء، ولم يثبت أنهم حملوا السلاح ضد دولتهم أو قاموا بأي أعمال عنف، ورغم أن سلطات نايبيداو أرجعت السبب في تفجر تلك الأحداث إلى جماعة «جيش اليقين» التي يقول قادتها إنها تأسست كرد فعل على المجازر التي يرتكبها الجيش الحكومي بحق الروهينجا، واتهمتها بمهاجمة مواقع للجيش الحكومي، إلا أن الشواهد تؤكد عدم صحة تلك الاتهامات. وأيا كان الطرف المتسبب في تفجر الأحداث، فإن القانون الدولي واضح في هذا الشأن، ويلزم السلطات الحكومية بضبط النفس، وفتح تحقيق شفاف، وملاحقة الجناة، وعدم مؤاخذة الأبرياء بذنوب غيرهم.
مما يثير المخاوف أن تلك الأحداث تزرع بذور التطرف والإرهاب في المنطقة، لأن هذا العنف لا شك أنه سوف يولد عنفا مضادا، وأن مشاهد اضطهاد المسلمين وقتل أبنائهم واغتصاب نسائهم وفتياتهم توفر فرصة ذهبية لتيارات العنف والتطرف، وستتخذ منها مبررات لتجنيد الأتباع والتغرير بالشباب واستغلال الحماسة الدينية في نفوس البعض، فكما استغلت مشاهد العنف التي رافقت احتلال العراق، ونشأ تنظيم داعش نتيجة لذلك، فإن ما يحدث في ميانمار حاليا يمثل فرصة أكبر لنشوء تنظيم مشابه، وستجد الدول الكبرى والمنظمات الدولية التي رضيت بالاكتفاء بالفرجة أنها تكبدت أعدادا كبيرة من القتلى، وباتت مضطرة لبذل مجهود أكبر، وصرف مليارات الدولارات للتصدي للإرهابيين الجدد، وأن كل ذلك كان من الممكن تجنبه لو أنها أنصفت الروهينجا وألزمت السلطات بالتقيد بالقانون الدولي.


المطلوب من العالم عموما والدول الإسلامية على وجه الخصوص المسارعة إلى رفع الظلم الواقع على الروهينجا، عبر عدة وسائل، منها حث منظمات المجتمع المدني للتحرك والقيام بدورها، وتقديم مشروع قرار عاجل إلى مجلس الأمن بإدانة تلك الممارسات، والتلويح بالتدخل عبر الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لإنقاذ المدنيين من الإبادة الجماعية، وكذلك مطالبة الدول ذات التأثير على ميانمار بممارسة ضغوط عليها، وفي مقدمتها الصين التي تمتلك العديد من أدوات الضغط التي يمكن استخدامها في هذا الإطار، نظرا للروابط الاقتصادية التي تربط بين البلدين، حيث تعد بكين الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية لنايبيداو، وإذا استمرت الأخيرة في سياساتها العدوانية تجاه المسلمين، يمكن للدول العربية والإسلامية، لاسيما ذات التأثير الاقتصادي الكبير استخدام وزنها والتهديد بوقف التعاون الاقتصادي مع الدول التي تتعاون مع ميانمار، على غرار تهديد الولايات المتحدة الأخير للدول التي تتعامل مع كوريا الشمالية. إذا كانت دول العالم، لاسيما الكبرى منها، مهمومة بقضايا تراها أكثر ضرورة من نصرة الروهينجا، مثل استئصال تنظيم داعش، والتصدي لتطلعات إيران وأنشطتها السلبية في العالم، وبرنامج كوريا الشمالية النووي، والأعاصير والفيضانات وغيرها من القضايا، فإننا كمسلمين مطالبون بمد يد العون للروهينجا، وتقديم قضيتهم على ما سواها، فأرواح البشر هي أكثر ما ينبغي التركيز عليه، وتقديمه على ما سواه، ومن المؤسف أنه في الوقت الذي يتوجب علينا البحث عن كل ما يوحد أمتنا ويقوي شوكتها، فإن البعض يفتعل قضايا انصرافية، يشتت بها تلك الجهود، ويحاول لعب أدوار أكبر من حجمه الطبيعي، ويمد يده بالمساعدات لتيارات الإرهاب، دون أن يدرك أنه يلعب بالنار التي حتما ستأتي عليه في نهاية المطاف، ويملأ الدنيا زعيقا وصراخا، وهو بذلك لا يفعل شيئا ولا يترك القادرين يتفرغون لفعل ما عجز هو عن فعله.