ديفيد بروكس

هل ثمة ما يمكن للمرء أن يتعلمه من الأعاصير والزوابع والفيضانات؟ لقد بقي الناس يتداولون هذا السؤال منذ آلاف السنين، وكثيراً ما كانوا يتناقلون القصص والحكايات التي تحاول ربط الكوارث الطبيعية بمعانٍ وإيحاءات معينة. ويبدو أن كل الأساطير المتعلقة بالفيضانات متشابهة وتكرر بعضها البعض. واستطاع باحث يدعى جون موريس تجميع أكثر من 200 قصة استقاها من ثقافات وأساطير الشعوب القديمة في الصين والهند ومن سكان أميركا الأصليين وما بعدهم. ووجد من تحليلها أن 88 من تلك القصص تتحدث عن عائلة بطلة، وفي 70% منها ينجو الناس من الفيضانات باستخدام القوارب، وفي 67% منها تنجو الحيوانات الأليفة باستخدام القوارب أيضاً، ونحو 66% منها يحدث بسبب خبث الإنسان وضلاله، وينتهي 57% منها بأن تصبح سفينة الإنقاذ عالقة على قمة جبل!

وكان مؤلفو تلك القصص والروايات يحاولون خلق الإحساس بوجود القوى الخارقة في الطبيعة والإيحاء بتفاهة العالم الذي يعيشون فيه. وكان يدفعهم إلى ذلك التساؤل حول القيمة الحقيقية لهذا العالم الذي تتعرض فيه المدن للدمار من دون سبب، أو شعورهم بأنهم يعيشون في عالم مجرّد من الرحمة وحيث تتعرض حضارات بأكملها للدمار بسبب الآثام التي تقترفها.

ولا شك أن قصة نوح من أشهر القصص في هذا الصدد، وهي التي وردت في العهد القديم. وفي بدايتها كان الجنس البشري يعيش في عالم يخلو من الشرائع والقوانين، وكانت الحياة مليئة بالعنف. وتقول رواية الإنجيل إن الله طلب من نوح أن يبني سفينة، لأنه كان ينوي إغراق العالم بطوفان مهول، وكان على نوح أن يضع في السفينة زوجاً من كل نوع من أنواع الحيوانات. وعندما تلقى نوح هذا الأمر سارع إلى تنفيذه. إلا أن نبينا إبراهيم دعا ربه عندما أصبحت مدينة سدوم معرضة للفناء عن بكرة أبيها بسبب الفيضانات. وصدر نداء آخر من موسى عندما غضب الله من بني إسرائيل.. لكن نوح -حسب رواية العهد القديم- اكتفى بإعداد السفينة لإنقاذ المخلوقات من الغرق، لذلك أصدر حاخامات اليهود حكمهم القاسي عليه! ووصفته الدكتورة اليهودية «أفيفاح زورنبرغ» بأوصاف لا تجوز في حق الأنبياء. وزعم الحاخام «جوناثان ساكس» أن «نوح كان رجلاً صالحاً لكنه لم يكن قائداً»، بحجة أن القائد الحقيقي هو الذي يتحمل مسؤولية كل المحيطين به حتى وإن فقدوا القدرة على الاستماع إليه!

لقد صعد نوح إلى السفينة وراح يعتني بركابها من بشر وحيوانات. ثم ما لبث المطر أن توقف وجاء وقت الهبوط من السفينة من أجل إعادة إعمار الأرض. وهكذا تمثل قصة نوح درساً عظيماً في التعامل مع الكوارث الطبيعية. وهذا يعني أن الكتاب المقدس العبري يريد احترام السلطة والقانون ولا يريد الاستسلام للكوارث.

واليوم، أصبحنا نتعايش مع الأخطار التي تأتي بها العديد من الأعاصير والفيضانات مثل هارفي وإيرما. ولا يزال الناس يعبِّرون عن أصالتهم وغيرتهم على بعضهم البعض أثناء التصدي للأهوال التي تخلفها السيول والفيضانات، وقد رأينا كيف هبّ سكان مدينة هيوستون هبّة رجل واحد لمساعدة المتضررين والمشردين. إلا أننا وجدنا أيضاً الضعف في العمل والأداء الجماعي وعدم الخبرة في التعامل مع الوحدات البنائية التي يصعب التحكم فيها بسبب ضخامتها. ويعود كل ذلك إلى أننا نعاني من مشاكل في طريقة فهمنا للسلطة، وخاصة بعد أن بلغ افتقارنا للثقة الاجتماعية أعلى مستوى له على الإطلاق.

 

محلل سياسي أميركي

«نيويورك تايمز»