أحمد أميري

 يمكن لمن يملك وظيفة في الخليج أن‏‭ ‬يُشبع ‬حاجاته ‬في ‬غضون ‬سنوات؛ ‬يشتري ‬سيارة، ‬ويبني ‬منزلاً، ‬ويؤسس ‬أسرة، ‬والداعم ‬الأهم ‬لمشوار ‬حياته ‬هو ‬البنوك، ‬إذ ‬لا ‬يمكنه ‬فعل ‬كل ‬ذلك ‬بالادخار ‬الشهري، ‬وعلى ‬العكس ‬منه ‬الموظف ‬في ‬البلاد ‬العربية ‬الأخرى، ‬يشيب ‬رأسه ‬وهو ‬يحلم ‬بسيارة ‬العمر، ‬وشقة ‬العمر، ‬وزواج ‬العمر، ‬وكل ‬الأحلام ‬الأخرى ‬التي ‬تحتاج ‬لعمراً ‬لتحقيقها، ‬إذ ‬أبواب ‬البنوك ‬موصدة ‬أمامه، ‬ولو ‬دخلها ‬عُصِر ‬بنسبة ‬فائدة ‬عالية، ‬وخُنق ‬بالسداد ‬خلال ‬أجل ‬قصير.

الأوضاع الاقتصادية هي التي تؤثر في أداء البنوك في أي بلد، أعني أن الخليجي لا يدين بالفضل للبنوك وإنما لاقتصاد بلاده، لكنها تظل الجهة التي تسهّل له حياته، ومع هذا، هناك رأي سلبي عن البنوك يقوم على جملة مزاعم، منها أنها ربوية، رغم اختلاف مفهوم الربا المحرّم عن منظومة القروض البنكية. ومنها التحذيرات المأثورة من ذلّ المديون وهمّ الدَين، رغم أن البنوك أشخاص اعتبارية لا يُتصور فكرة الذلّ أمامها، كما أن همّ عدم منح القرض أكبر من همّ سداد أقساطه. ومنها أخذ البنوك للمتعثرين إلى القضاء، رغم أن نسبتهم لا تُذكر، ففي عام 2006 مثلاً، وصلت 5710 معاملة قرض إلى محاكم الإمارات من إجمالي 562 ألف قرض.

غياب الوعي بدور البنوك يصنع مفارقة عجيبة، فالجهة التي تساهم في تحقيق شعور الرضا العام للمرء عن حياته، هي نفسها الجهة التي يشعر بعدم الرضا عنها، وهكذا يحدث أيضاً مع أسلوب الحياة في الخليج، فالخليجيون عموماً يتمتعون بمستوى حياة جيد، لكن نظراً لعدم التأسيس النظري لأسلوب حياتهم، وُجدت مساحة فراغ عبث بها الإسلاميون بأفكارهم المضادة للمفاهيم التي تأسّس ذلك الأسلوب عليها.

هناك مثلاً شعور بالرضا بين الخليجيين لجهة ترحيب الدول الغربية بهم، وهذا الترحيب ليس طمعاً في أموالهم أو لسواد عيونهم، بل لعلاقات دولهم المميزة بالغرب، وهي العلاقات التي ينظر إليها بعضهم باستياء، نتيجة تشويش الإسلاميين عليها، رغم أن تلك العلاقات تحقق رضا أولئك المستائين حين يأخذون عيالهم إليها للتمتع في ربوعها، أو للدراسة أو للعلاج.

ولنأخذ مثالاً في وفرة الوظائف عموماً، وأحد أسبابها هو سياسات الانفتاح الخليجي، والتي أيضاً تتعرض للذمّ الممنهج من الإسلاميين، والذي يصل صداه إلى الشارع الذي يشعر بالرضا عن وفرة الوظائف، ويغيب عنه في الوقت نفسه أنه بالانفتاح تتدفق رؤوس الأموال من الخارج، والتي تحتاج لبنية تحتية لإقامة المشاريع التجارية والصناعية، ومواكبة حركة الاستيراد والتصدير، وتهيئة بيئة مالية متطورة، ونقل التكنولوجيا، وتطوير التشريعات، وهو ما يعني الحاجة إلى المزيد من المهندسين، والمصرفيين، والتقنيين، والقانونيين، والمزيد من الذين ينظمون عمل هؤلاء.

ثمة شجرة وارفة الظلال شهية الثمار، لكن لا أحد يتحدث عن نوع التربة، وينصبّ الكلام كله حول روعة الشجرة. ويتجنب الإسلاميون النيل منها، إذ لن يستمع أحد لذمّ شجرة تمنحه ظلاً ظليلاً وثمراتٍ مختلفاً ألوانها، لكنهم يتحدثون عن نوع تربة آخر، وهو أمر لا يمكن معرفة كذبه إلا عند معرفة نوع التربة التي نمت فيها تلك الشجرة. وما لم تملء النخب الفكرية والثقافية والإعلامية والتعليمية مساحة الفراغ تلك، عبر التأسيس النظري لأسلوب الحياة في الخليج، سيملؤها الإسلاميون بالمفاهيم البالية والأفكار الساذجة، فتأخذ الأجيال ذات اليمين وذات الشمال، حتى نجدهم قد خرجوا يوماً بالمناشير لقطع الشجرة.