أحمد المرشد 

لطالما اعتبرت الدولة الكردية المستقلة هدفا لمعظم الأكراد المنتشرين في 4 بلدان، وهي تركيا وإيران والعراق وسوريا، ما يجعلها أكبر قومية دون دولة في العالم، إلا أن مستقبل أكراد العراق في ضوء الاستفتاء الجديد في 25 سبتمبر القادم، يكتب فصلا جديدا في مستقبل الشرق الأوسط.
فهناك نحو 5 ملايين كردي عراقي يعيشون حاليا في منطقة الحكم الذاتي الكردية شمالي العراق، التي تتألف من 4 محافظات، هي: دهوك وأربيل والسليمانية وحلبجة.
ويرافق حلم إقامة «كردستان مستقلة» هدف آخر يتمثل في الحصول على الأراضي المتنازع عليها الممتدة من مدينة سنجار في غرب الموصل، وصعودا نحو مدينة خانقين على الحدود الإيرانية، بالإضافة إلى محافظة كركوك الجنوبية الغنية بالنفط.
إلا أن مساعي إقامة دولة كردية تواجهها العديد من العقبات، التي ينبغي تجاوزها على غرار تهديدها المباشر للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الذي لا يزال هشا.
فرغم التوقعات شبه المؤكدة أن عملية الاستفتاء محسومة مسبقا، وذلك بحسب تطلعات حلم الشارع الكردي، التي تأتي بعاطفية أكثر للاستقلال، باعتبار أنهم (الأكراد) يناضلون لهذا الهدف منذ أمد بعيد، إلا أن مستقبل الإقليم يعد غامضا في ضوء التقلبات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالمنطقة.
وحال نجاح الاستفتاء، نجد أن الدولة الكردية المستقلة في العراق لن تكون مطلة على البحر، ولذلك ستعتمد على تركيا أو إيران نظرا لانفصالها عن العراق، في الوقت الذي يعتبر فيه الكثيرون أن سوريا بلد مقسّم بالفعل.
فمن غير المرجح أن تدعم إيران خطط رئيس الإقليم، مسعود برزاني، لإعلان دولة كردية متاخمة لحدود مقاطعة كردستان التابعة لها (المعروفة باسم كردستان الشرقية).
وتبدي الولايات المتحدة ترددها إزاء الاستفتاء، كما تأتي هذه الجهود في فترة زمنية أقل ما يقال عنها أنها سيئة، في ظل حرب مفتوحة في العراق وسوريا ضد تنظيم داعش، وتقلبات سياسية تشهدها المنطقة تحركها أصابع إيرانية تغذي الطائفية وتدعم الإرهاب.
إلا أنه من المحتمل أن يعترف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالاستقلال الكردي في العراق، كون الصد السني الكردي للهيمنة الشيعية في العراق قد يخدم مصالح حكومته.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لعداء مسعود برزاني تجاه حزب العمال الكردستاني، خصم تركيا الكردي في تركيا وسوريا، أن يشكل عنصرا آخرا لضمان قبول تركيا بمسألة إقامة دولة كردية مستقلة، برغم إعلان عدد من المسؤولين الأتراك رفضهم للاستفتاء.
أما الاتحاد الأوروبي فتحفظ على إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان، واعتبر أن مصلحة الشعب العراقي تقتضي بقاء العراق موحدا.
إلا أن خبراء يرون أن الإقليم يواجه آفاقا قاتمة نتيجة الانتكاسات الاقتصادية والأمنية التي يتعرض إليها، إذ لا يزال تنظيم داعش يهدد المنطقة الكردية، بالإضافة إلى تقلبات أسعار النفط، الذي يعد المورد الرئيس لميزانية الإقليم في ظل توتر العلاقات مع حكومة بغداد، ما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية، التي ألقت بظلالها على المؤسسات في أربيل.

وفي ظل ذلك، حاول الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، خلال زيارته الأخيرة إلى أربيل، إقناع رئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، تأجيل الاستفتاء لفترة وإجراء مفاوضات بين أربيل وبغداد برعاية من المجتمع الدولي، إلا أن برزاني رفض ذلك.
فمساعي الأمين العام للجامعة العربية تأتي في إطار وحدة الأرض العربية، في ظل مآسي وتقلبات سياسية تشهدها منطقة الشرق الأوسط مرورا بالأزمة السورية والحرب على داعش، إضافة إلى زعزعة إيران لاستقرار المنطقة.
ويرى مراقبون أن إمكانيات ومقومات الدولة ليست متكاملة لإعلان دولة الكرد المستقلة، فالخلافات لا تزال جوهرية بين الفصائل الكردية، بدليل إصابة البرلمان الكردي بالشلل، كذلك تردي الوضع الاقتصادي، الذي يعتمد على مساعدات الحكومة المركزية، وعدم صرف رواتب الموظفين منذ فترة طويلة.
وأضافوا أن هدف الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان العراق من طرح الاستفتاء هو امتصاص غضب الشارع المحلي وطمأنته بأنه لا يزال يناضل من أجله ومن أجل الحصول على استقلاله، وأن ما يجري من ضغوط على المواطن، هو نتيجة للمطالبة باستقلاله، وهو بذلك ينأى، بنفسه على الأقل، عن أسباب التدهور الاقتصادي في الإقليم ومشاكله الأخرى ليحمل الحكومة المركزية في بغداد أسبابها، ومن ثم فهذه الأحزاب تحاول تقوية مواقعها وتثبت أقدامها وتزيد من تعلق الشارع بها، الذي سوف يعدها الاكفأ في قيادة الأكراد لتحقيق أحلامهم.

تصعيد يلوح في الأفق
وعلى الرغم من توحد الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية في مواجهة الخطر المشترك المتمثل في تنظيم داعش، إلا أنه مع اقتراب زوال هذا العدو، برزت الأجندات المتناقضة لكليهما، خاصة مع لجوء أربيل إلى فتح ملف الانفصال بقوة.
وتأتي جهود برزاني الهادفة إلى الانفصال عن بغداد، ضمن محاولات تشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية في الوقت الحالي، التي تأتي على رأسها أزمة رئاسة الإقليم، وذلك بالسعي إلى تشتيت جهود معارضيه الرافضين لبقائه في منصبه، من خلال دفع قضية الانفصال إلى الصدارة كونها قضية قومية داخلية.
ومن الواضح أن المواجهة الحالية بين بغداد وأربيل حول قضية الانفصال وحّدت الحزبين الرئيسين في الإقليم، وهما الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني، برئاسة جلال طالباني، وهو ما يصب في صالح رئيس الإقليم، مسعود برزاني، المنتهية ولايته منذ أغسطس 2015.
ورغم اجتماع القوى الكردية باختلاف أطيافها على حتمية الانفصال عن بغداد، فإن بعض تلك القوى، وفي مقدمتها حركة التغيير، ترى ضرورة إيجاد أرضية وظروف مناسبة قبل الاستفتاء على الانفصال، وفي مقدمة ذلك حل أزمة الفراغ المؤسسي الحالي في الإقليم.
وبشكل عام، يمكن القول إن العلاقة بين بغداد وأربيل ستكون أكثر حدة في مرحلة ما بعد داعش، في ضوء إصرار برزاني على المضي قدما نحو إنجاح الانفصال عن الحكومة المركزية، وذلك استنادا إلى الأوراق التي يملكها.
ومن المتوقع في هذا الإطار أن يتزايد مسعى إقليم كردستان إلى الضغط بقوة بورقة الانفصال خلال الفترة المقبلة للحصول على أعلى مكاسب ممكنة تتناسب مع حجم الإنجاز الذي حققته قوات البشمركة في الحرب ضد داعش، والسعي إلى وضع الحكومة المركزية في موقف رد الفعل، بما يعظم من حجم المكاسب التي سيأخذها الإقليم من بغداد بعد الجلوس على مائدة التفاوض.
وحال استقلال الإقليم، ستنعش خطوة أكراد العراق نظراءهم في إيران، إذ من المتوقع تكثيف الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (الذي يرتبط بعلاقات واسعة مع باقي الأحزاب الكردية الإيرانية المسلحة مثل حزب بيجاك) من عمله المسلح ضد النظام الإيراني انطلاقًا من مقره بجبال قنديل الواقعة على الحدود الإيرانية العراقية.
ومن المتوقع كذلك أن يسعى أكراد سوريا إلى استغلال هذه التطورات للدفع نحو إقامة نظام فيدرالي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بشمال البلاد (مناطق روج آفا بالكردية)، والتمهيد لفرض ذلك أمر واقع على باقي الأطراف المنخرطة حاليا في الصراع السوري، سواء كانت محلية أو دولية، وطرح أنفسهم طرفا أساسيا في أي معادلة سورية قادمة.
وستعطي التحركات الانفصالية لأكراد العراق دفعة ليس لأكراد المنطقة وحدهم، ولكن لطوائف أخرى في منطقة الشرق الأوسط، لمناقشة التوجه الانفصالي نفسه، ومحاولة تسويقه إقليميا ودوليا.
وفي هذا الصدد من المتوقع تكثيف بعض القوى السنية العراقية من تحركاتها الممهدة للانفصال عن الدولة العراقية، والبناء على الاجتماعات الدورية المكثفة التي تقوم بها قوى سنية خارج العراق لبحث هذا الشأن.
وفي ظل ما سبق، سيضيف الاستفتاء بشأن قيام دولة كردية مستقلة، الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى الانفصال عن العراق بحكم الواقع، إن لم يكن بحكم القانون، عنصرا متقلبًا جديدًا إلى الساحة السياسية في الشرق الأوسط.