علي سعد الموسى

أديت صلاة جمعة الخامس عشر من سبتمبر، ما قبل الأمس، في جامع واحدة من أكبر وأهم قرى شرق منطقة عسير، حيث كان الحضور بالمئات في تشييع جثمان شيخ القبيلة السابق، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

استمعت من الإمام حفظه الله إلى خطبة جمعة تاريخية، ولست بالمبالغ إن وضعتها على رأس أروع وأفضل منبر استمعت إليه في السنوات الأخيرة. كانت الخطبة تتناول حدث اللحظة، وللأمانة سأقول إن الخطيب لم يترك جملة واحدة من خطبته دون تأصيل شرعي بتضمين لآية أو حديث شريف. كانت خطبة إقناع مكتملة. عرفت بعد نهاية الصلاة أن الإمام يعمل مديراً للمدرسة الابتدائية بذات القرية. تحدث معي بعض زملاء رحلة القرى الأولى عن تدينه ومحافظته، وعن سلوك الاعتدال والوسطية التي يحملها في منهجه التربوي بالمدرسة ومهمته الثانية في الجامع. هؤلاء هم النماذج التي تود أن يذهب إليها أولادك كل صباح إلى المدرسة.
خرجت وفي نفسي شيء من الاطمئنان إلى رحلة الوعي التي مر بها السعوديون من خلال وقوفهم على كل التجارب المريرة التي مرت بها كل المنطقة في السنوات العشرين الأخيرة. مسطرة قياس هذا الفارق في الاستيعاب وفي إدراك ما يحاك لهذا المجتمع من المؤامرات تكمن في ثنايا القصة القديمة التالية: قبل ما يقرب من عشر سنوات ذهبت شخصياً، مع غيري من الدعاة والمثقفين وأساتذة الجامعة إلى المدارس الثانوية بنفس قرى هذه المحافظة، وكان جوهر العنوان هو بالتقريب نفسه ذات قصة اليوم. عن الاستهداف الخارجي لكيان هذا البلد وثقافة مجتمعه. ذهبت إلى الثانوية القريبة من مكان مسجد الأمس، وكنت على منبر المدرسة ألمح أعضاء هيئة تدريس المدرسة وهم يحاولون سحب الطلاب من القاعة، ولم تكد تبدأ إلا وكل المعلمين خارج القاعة، ولم يبق منهم إلا الطاقم الإداري، ولربما كان ذلك بسبب وجود مدير تعليم المحافظة يومذاك معنا في الصف الأول. علمت فيما بعد أن أحد المعلمين قد وقف محاضراً في ذات اليوم بعد صلاة الظهر في محاولة لمسح ما تطرقت إليه في محاضرة الصباح، وعلمت كيف كان البعض يعمل بشكل حركي سافر في مدارس المحافظة لنسف ذلك البرنامج.
والخلاصة الأخيرة أن السعودي خلال العقدين الأخيرين قد مر بتجارب هائلة استهدفت مصادرة وعيه وسلب وطنه. لكنه أثبت أنه مواطن لماح ذكي لم تعد تنطلي عليه هذه الأساليب المكشوفة.