شملان يوسف العيسى

 بعد تحرير الموصل من إرهابيي «داعش»، برزت قضايا إنسانية جديدة تحتاج إلى التوقف عندها وإيجاد حلول عقلانية إنسانية لها.. مع أننا ندين ونرفض الإرهاب بكل أشكاله، ونؤمن إيماناً مطلقاً بأهمية تقديم كل الإرهابيين للمحاكمات لنيل عقابهم. جريدة «الشرق الأوسط» نشرت في صفحتها الأولى يوم الثلاثاء 12 سبتمبر الجاري خبراً عن عائلات أعضاء «داعش» التي تواجه مصيراً مجهولا في العراق، حيث يوجد 1400 زوجة وطفل من 13 جنسية في معسكر قرب الموصل. وأوضح ضابط في الجيش العراقي أن النسوة المحتجزات ينتمين إلى 13 بلداً، منها جمهوريات سوفييتية سابقة مثل طاجكستان وأذربيجان وروسيا، ودول آسيوية، وعدد قليل منهم ينتمي إلى فرنسا وألمانيا.

معظم النساء والأطفال استسلموا مع أزواجهن أثناء معارك الموصل. الحكومة العراقية تريد التفاوض مع سفارات هذه الدول حول مصير النساء والأطفال واحتمال عودتهم لبلدانهم. ومن المفارقات الغريبة أن بين نسوة «داعش» المعتقلات امرأة شيشانية، أعربت عن عدم رغبتها في العودة إلى بلادها، مفضلةً الذهاب إلى فرنسا، حيث سبق أن عاشت مع زوجها فترة من الزمن في باريس قبل الالتحاق بـ«داعش» في العراق. والسؤال الآن هو: لماذا يورط شباب شيشاني أنفسهم في الانضمام إلى تنظيم إرهابي يقتل الأبرياء؟ قد نفهم ونعذر الشباب الشيشاني في هجرتهم إلى فرنسا بحثاً عن العمل أو التعليم أو لتحسين أوضاعهم المعيشية، لكن لا نفهم لماذا يتركون بلد الحرية والأمن والأمان والضمان الاجتماعي وفرص التعليم وتحسين المعيشة، إلى بلد مضطرب يشهد حرباً أهلية طاحنة، وينضموا إلى تنظيم إرهابي خطير! معنى ذلك أن اختيارهم للعمل مع «داعش» في العراق مخطط له ومرتب له مسبقاً. والآن فإن الزوج معتقل ولا أحد يعرف مصيره؛ هل هو حي أم ميت. وتبقى قضية الأطفال والنساء معلقةً على قرار الحكومة العراقية التي خاطبت حكومات بلدان هذه العوائل، وعلى رد تلك الحكومات.

والمؤكد أن الحكومات الغربية مستعدة لاستقبال مواطنيها وتقديمهم للمحاكمات بسبب انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية. لكن الزوجة الشيشانية التي تحلم بالعودة إلى فرنسا، لم تحترم إقامتها في هذا البلد الديمقراطي، وانخرطت في العمل الإرهابي مع زوجها وأطفالها الذين لا نعرف هل هم شيشانيون أم فرنسيون أم عراقيون بالولادة. الحكومات الغربية وبرلماناتها سنّت قوانين رادعة تمنع دخول المتطرفين الإسلاميين، وقررت سحب الجنسية من أي متجنس حديثاً يَثبُت أنه انخرط في «داعش» أو أي تنظيم إرهابي آخر. العديد من المهاجرين العرب والمسلمين إلى أوروبا الغربية يحاولون الوصول للغرب هرباً من البطالة والاضطهاد في بلدانهم، ويضحي بعضهم بحياته من أجل الوصول إلى الشواطئ الغربية. لكن الغريب أن بعضهم، بعد الوصول إلى بر الأمان والحصول على الإيواء والتعليم والوظيفة، يبدأ القيام بعمليات إرهابية بغيضة ضد البلد الذي احتضنه. على المستوى الشخصي، لا أتعاطف مع أي إرهابي يقدم على قتل الناس الأبرياء، مهما كان دينه أو جنسه، لكن يبقى السؤال: ما مصير الأطفال الذين ولدوا في حضن «داعش» دون أن يكون لهم الاختيار في ذلك؟ نأمل أن يكون هناك حل إنساني لمشكلة الأطفال والنساء..