عيسى الحليان

أتذكر أن سمير عطاء الله قد سُئل في مقابلة تلفزيونية عن الفرق بين رفيق الحريري وسليم الحص، فقال إن الحريري مستعد لأن يكسر 12 قانوناً لكي يضيء مصباحاً واحدا، أما الحص فيطفئ 12 ضوءا لكي لا يكسر قانوناً واحداً ! كم هو جميل وصائب هذا التشبيه، لكن ما هو أهم منه كم سليماً للحص يقبع في وزاراتنا وإماراتنا ومحافظاتنا وهيئاتنا ومؤسساتنا العامة، وكم مصباحا للتغيير والتطوير يمكن أن يكسر من قبل هؤلاء وهم يعتقدون أنهم بذلك يحافظون على الأنظمة والتعليمات بحد ذاتها ؟

قيمة هذا التشبيه أنه اختزل فكرة البيروقراطية وجسدها على أرض الواقع في شخص اثنين كانا يمارسان نفس الدور تماماً مع الفارق الكبير في المنجز والنتيجة، وهو تشبيه ينسحب في حقيقة الأمر على جملة الوزراء والمديرين العامين والمحافظين وغيرهم ممن تعاقبوا على وزاراتنا وهيئاتنا ومؤسساتنا العامة طوال نصف قرن، ولدينا شواهد كثيرة، حيث ظلت بصمات التنمية تتفاوت بتفاوت المسافة الكبيرة بين نموذج الحريري ونموذج الحص !

بطبيعة الحال فإن الذي يبحث عن مخرج من هذه الأنظمة التي ظلت تكبل برامج التنمية الحقيقية والتي وضعت في زمن غير زماننا هو فقط من يمتلك رؤية حقيقية ويحمل همّا وطنيا يرى ضوءه في نهاية النفق، ولا يمكن لإنسان كهذا إلا أن يقاوم بحسه الوطني مثل هذه الأنظمة التي لا تلبي طموحات الوطن وهذا ما جرى مع تاريخ كل المنجزات الكبرى، حيث لكل منجز حكاية من هذا النوع تؤكد هذا النموذج أو ذاك، لكن في نفس الوقت ينبغي أن لا نغفل خاصية أخرى لابد أن تتوافر في هذا النموذج، وهي نظافة اليد لكي لا يخشى لوم اللائمين، وهي الخاصية الأساسية التي تقاطعت مع جملة من الشخصيات التاريخية التي أبلت بلاء حسنا في خدمة الوطن بمنجزات كبرى لانزال نقطف ثمارها، في حين لم يستطع المنتفعون مهما علت شهاداتهم وتراكمت خبراتهم الخروج من شرنقة هذه الأنظمة لكي لا يقعوا في دائرة سهام المتربصين، والضحية الوطن !