محمد البشاري

جاؤوا من كل فج عميق ليبنوا صرحاً جديداً في تاريخ العلاقات الأميركية الإسلامية، إنهم أكاديميون وسياسيون وصحفيون ورجال دين، وفاعلون جمعويون لبوا النداء وقبلوا دعوة معالي الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي للمشاركة في المؤتمر الدولي المنظم يوم السادس عشر والسابع عشر من سبتمبر، انطلق اللقاء المنتظر الذي جمع وفوداً من مختلف بقاع العالم، من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية- الإسلامية، لقاء تواصلي لطرح القضايا الحساسة، لقاء الجرأة في طرح المعوقات، لقاء تحت شعار من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية العربية، التي عرفت تدهوراً بسبب التغير الذي حصل في الإدارة الأميركية، وتنامي ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي.

تعاقب في الجلسة الأولى على منصة الخطابة وجوه كثيرة أميركية وإسلامية، بل أساتذة جامعيون من دول أوروبية عديدة، أكاديميون دبلوماسيون وفاعلون حقوقيون، اجتمعوا كلهم على رأي واحد وتقاسموا انشغالات الشارع العربي والإسلامي والأميركي حكومات وشعوباً، مداخلات العديد منهم لم تخلوا من جرأة في طرح القضايا، حماسة بعض الأميركيين في توضيح سماحة الدين الإسلامي كانت أحياناً أقوى تعبيراً، وقد حركت مراراً نحو أربع مائة وخمسين مشاركاً، صفقوا احتراماً للموقف. أجمع كل المتدخلين في اليوم الأول على جعل هذه المحطة انطلاقة حقيقية لتحريك الحوار الحضاري، والتفكير بجدية في معالجة العديد من المشاكل والصراعات الحاصلة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إيجاد حل عادل لمشكل الصراع الفلسطيني العربي. المشاكل التي يعرفها العديد من الدول كانت مثار انشغالات متدخلين، والذين طالبوا بدفع الأطراف المتصارعة في اليمن، لتفعيل الاتفاق الذي وقعه طرفي الصراع بإشراف أممي. إن تسريع وتيرة الحوار الحضاري عن طريق إقامة هذه الملتقيات هو المخرج في بلورة تصور واقعي لمحاربة ظاهرة التطرف والغلو، ووضع حد للإرهاب الذي تورط فيه مع كامل الأسف العديد من الشباب المزداد في الغرب، وبدعم من بعض الدول الإسلامية. التصور البديل، هو دفع الشباب للانخراط في العمل السياسي، والوجود في المؤسسات الرسمية، من أجل تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام في عيون الغرب بصفة عامة. والعديد من الكفاءات الشابة الحاضرة في المؤتمر تعتبر أمل الأمة من أجل تكثيف جهودها مع جهود القائمين على حماية العقيدة، لإقناع المجتمعات الغربية، بضرورة طَي الصفحة، وجعل هذه المحطة انطلاقة حقيقية في العلاقات الأميركية العربية.

واقع الأمة دفع البعض للمطالبة برفع معاناة مسلمي بورما، وتجديد الخطاب الديني في الغرب، وهناك من ألحوا على ضرورة أن تتحمل المملكة العربية السعودية ومعها دول محور الخير مسؤولية حماية الدين والقيم السامية التي يحملها، وقد أشار أحد المشاركين الأميركيين إلى المحافظة على القيم المشتركة التي تحملها الأديان السماوية، فوجود رجال الدين في الكوارث الأخيرة التي حلت بالولايات المتحدة نموذج لهذه القيم المشتركة التي نتقاسمها.

أجمع المشاركون في هذا الملتقى العالمي على ضرورة إيجاد تصور لحماية المجتمعات من التطرف والإرهاب الذي لا عنوان له، وخرجوا بتوصيات تتبنى خططاً للتعاون الحضاري بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأميركية، متمنين النجاح للمركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال)، والذي دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بحضور فخامة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في القمة الإسلامية الأميركية في الرياض.

تبنى المجتمعون كذلك، قرارات، تدعو إلى المساهمة في تعزيز السلام العالمي، من خلال التواصل المعرفي بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم الإسلامي، وتبني اتجاهات فكرية ترتكز على الحريات الدينية والتعددية. إن التبادل المشترك بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم الإسلامي بتصور جديد أصبح ضرورياً من أجل قيم مشتركة، في اتجاه علاقات استراتيجية حضارية بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.

إن المسلمين اليوم معنيون بالإسهام في العطاء الإنساني في المجالات الفكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعلمية، من أجل خدمة الإنسانية، فالإسلام دين الرحمة، ويجب على المسلمين، ترجمة هذه المبادئ، على الأرض حتى يساهموا في بناء مجتمع إنساني تسوده العدالة والسلم والتراحم، إذ إن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات البشرية يستدعي إقامة شراكة عادلة وتواصل إيجابي.

وخلص المشاركون في الندوة إلى تبني توصيات، تدعو إلى وضع استراتيجية بعيدة المدى لتفعيل التواصل الحضاري والثقافي وإشاعة روح التسامح والمساواة بين الشعوب والتعاون في تعزيز برامج التنمية المستدامة وتوفير بيئة آمنة ومستقرة ومزدهرة تحصن الشباب من الأفكار المتطرفة، وتكثيف اللقاءات الإسلامية مع الحضارات الأخرى لدراسة المسائل العالقة وتشكيل مفاهيم مشتركة حولها، والتحرر من مؤثرات الصراع التاريخي، وتوثيق الصلات والتعاون بين المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأميركية والهيئات الرسمية والشعبية في العالم الإسلامي في كل المجالات إفادة واستفادة، وبذل الجهود الدولية الفاعلة لتحقيق كرامة الإنسان وحفظ حقوقه، وإقامة العدل وتحقيق التعايش الآمن في المجتمعات البشرية، ووضع خطة استراتيجية شاملة ومتكاملة للتنسيق بين المنظمات والمراكز والجامعات والمؤسسات الإعلامية لمواجهة الفكر المتطرف وحماية المجتمعات من آثاره ونتائجه وارتداداته، على الطرف الآخر. وإشاعة ثقافة التعايش والتواصل في المجتمعات الإسلامية والغربية، وتشجيع البحوث والدراسات التي تؤصل لمبدأ التواصل الفاعل، وتوجيه وسائل الإعلام إلى الإسهام في نشر ثقافة السلام والتفاهم والتحلي بالمصداقية والموضوعية وعدم الترويج لثقافة العنف والكراهية، والتوقف عن إنتاج مواد إعلامية تؤجج الصراعات الدينية والطائفية والفكرية. وخلص المجتمعون إلى لفت انتباه رابطة العالم الإسلامي إلى ضرورة تبني التعاون مع الجمعيات والمنظمات والجامعات في الولايات المتحدة، لتنفيذ برامج مشتركة هدفها تحقيق التواصل الإيجابي بين الحضارة الإسلامية والحضارة الأميركية وتطوير الحوار الجاد والمسؤول بما يراعي المصالح المشتركة ويعالج مشكلات المجتمعات المعاصرة.