زهير الحارثي

المحطات التاريخية التي عاشتها المملكة وبالرغم من حجم التحديات ومخاض المتغيرات وتسارعها، برهنت على الترابط واستباق الأحداث ما جعل النتائج تأتي مخالفة لكل التكهنات والتوقعات..

قدم الشعب السعودي نموذجا فريدا على ترابطه وتماسكه برفضه لكل الدعوات التحريضية حيث جاءت رسالته صارخة بأنه لا مساومة على الوطن وقيادته. كانت الصورة خير شاهد على أهمية الحدث. تحول الموعد المزعوم إلى احتفال شعبي إذ رسخت شرعية الدولة وحب الوطن. معادلة سطرت توهجها ليلة 15 سبتمبر فكانت ليلة وطنية وبامتياز بدليل مواقع التواصل الاجتماعي التي أُمطرت حبا وولاءً ووفاءً للوطن.

ليلة تجديد بيعة وتلاحم وسد منيع أمام فوضى حراك مسموم وعابث. كان الشعب واعيا ونبيلا وكريما ووفيا لا تنطلي عليه الافتراءات. السعوديون بطبيعتهم ينزعون للسلم والأمن والهدوء، وينتمون لبلادهم ويعتزون بقيادتهم، وهم ضد الفوضى والصخب والصراع، وإن لم يخل الأمر من أصوات فئة نشاز لا تمثل السائد ولها أجندتها المكشوفة وهي لا تنفك تزعم بإمكانية استنساخ ملامح ما يدور حولنا؛ إلا أن المواطن موقن إن فرّط في بلاده لم تعد له قيمة أو حياة. هذه الدعوات الرخيصة لن ترى النور لأنها سقطت سقوطا ذريعا أمام وعي ونباهة الشعب السعودي ما أدى إلى إفشال مخططات المخربين والأشرار. المحطات التاريخية التي عاشتها المملكة وبالرغم من حجم التحديات ومخاض المتغيرات وتسارعها، برهنت على الترابط واستباق الأحداث ما جعل النتائج تأتي مخالفة لكل التكهنات والتوقعات.

ومع ذلك كله مازال هناك تآمر ومحاولات تدخل في شأننا الداخلي ومحاولة المساس بأمننا وترابنا الوطني مهدد من عدة جهات وذلك باختراق نسيجه المجتمعي وإثارة الفتنة فيه عبر إثارة الطائفية والتصنيف ودعوات التخوين والإقصاء. لكن شعبنا الوفي وكعادته يثبت في كل مرة يُستهدف الوطن أنه على قدر المسؤولية وباستطاعته المواجهة. هذا السلوك يعكس الخلفية الثقافية والدينية والاجتماعية للمواطن التي لعبت دورا مفصليا في تجاهل هذه الدعوات وعدم الاستجابة للانخراط فيها. المملكة ليست دولة قمعية أو بوليسية كما تحاول الآلة الإعلامية لدول معادية تصويرها ومن حق المملكة أو أي دولة أن تتخذ كل الوسائل المشروعة لحماية أمنها واستقرارها ومن أُعتقل سيُمكن من محاكمة عادلة وتبقى كلمة الفصل للقضاء في نهاية المطاف في إدانة من أُعتقل من عدمها. الإعلام الغربي تابع ما جرى حيث كانت المملكة في بؤرة التحليلات والتعليقات، وأشارت تقاريرهم إلى رفض شعبي للدعوات بل وتحولت إلى احتفالية وطنية. من حق الجميع ممارسة النقد البناء الهادف بعيدا عن التشهير أو التجريح الشخصي أو تعريض الوحدة الوطنية للخطر والحوار يفترض أن تكون مساجلاته وطروحاته ضمن أطره القانونية، وبعيدة عن المساومة أو المزايدة.

للأسف الشديد أصبح واضحا أن هناك أصواتا شاذة تدعو أو تحض باستخدام وسائل التعبير بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي على كراهية الوطن وازدراء فئات من المجتمع وإثارة الفتنة الطائفية والقبلية. وأتصور أن ثمة حاجة الآن لإصدار قانون أو نظام يجرم تلك الأفعال التي تجسد معول هدم لبناء الوطن.

نحن لا ندعي بأننا مجتمع ملائكي وأيضا ما قلنا آنفا لا يعني عدم وجود مطالب أو أخطاء وتجاوزات إلا أن آلية إيصالها لصاحب القرار يجب أن تأتي من خلال القنوات المشروعة وحل أي قضية أو مشكلة لا بد أن تكون بأيدينا نحن وداخل بيتنا الكبير دون تدخلات من أحد او إملاءات أو ضغوط، فالمسألة إذن ليست مطالب بقدر ما أن المهم يكمن في أسلوب التعاطي معها وإيصالها للمسؤولين دون ابتزاز أو تهديد أو خروج عن الأصول المرعية ولذا النزوع للتظاهرات بهذه الطريقة هدفه ليس بريئا بل هو بمثابة إثارة فتنة وشرخ ما بين القيادة والشعب وجر البلاد لحافة الهاوية. تعزيز الوحدة الوطنية وتعميق مفهوم المواطنة بات ضرورة لأن التفريط بهما يعني الضياع والانهيار لا قدر الله وأي إخلال بالجبهة الداخلية أو الخروج عن وحدة المملكة أرضاً وشعباً يعني الدخول في نفق المجهول.