جاريد بيرنشتاين

عندما بادر مكتب الإحصاء الفيدرالي للولايات المتحدة لإصدار دراسة حول نتائج الأرقام المتعلقة بالفقر والتأمين الصحي عن عام 2016 الأسبوع الماضي، ظهرت بوادر السرور على أوجه زملائنا الخبراء الاقتصاديين بمجرد اطلاعهم على تلك النتائج. وبدا ذلك طبيعياً للوهلة الأولى،

لأن تلك الأرقام أكدت تراجع معدلات الفقر، وارتفاع مداخيل مجتمع الطبقة الوسطى، وانخفاض أعداد الأميركيين الذين لا يستفيدون من تغطية الضمان الصحي، إلى أدنى مستوى على الإطلاق. ومثلما كنت أؤكد خلال الأسبوع الماضي، فإن هذه النتائج تعد دليلاً على تحسن الأداء الاقتصادي الذي وصلت نتائجه إلى شرائح أوسع من الناس، فضلاً عن تأثير زيادة عدد المستفيدين من «قانون الرعاية الصحية الميسّرة». وكانت النتائج الإحصائية لعام 2015 جيدة وإيجابية أيضاً عبر مستوى للتضخم منخفض أكثر من اللازم، ساعد على الرفع من قيمة المداخيل في ذلك العام.

وعقب نشر تلك الدراسة، تساءل الخبير الاقتصادي دفيد بروكس: هل نفهم من ذلك أن الأداء الاقتصادي جيد من حيث المبدأ، وأن الأحاديث التي تتردد حول الركود في مستوى الأجور الذي تعاني منه الطبقة المتوسطة، ومعدلات الفقر التي لا تتطابق مع معدلات النمو، والسلبيات التي التصقت بمفهوم العولمة.. أصبحت كلها من الأخبار القديمة؟ وبعد أن قام بروكس بمراجعة وتدقيق تلك النتائج الإحصائية، دعا إلى «عودة المعتدلين» وعدم إهمال الأفكار المتناقضة لليمينيين واليساريين والمتعلقة باتباع الطرق المثلى لتحقيق مداخيل أفضل للطبقة العاملة. وأنا أقول إن هذه السرعة في إعادة تقييم الأمور ليست منطقية أبداً. ويقتضي الأمر منا أن نضع هذه المكاسب الجديدة ضمن سياقها التاريخي. فقد أعادت المكاسب القوية التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية في أوساط العائلات التي ما زالت في سن العمل والإنتاج (أو التي يقل فيها سن رب العائلة عن 65 عاماً)، إلى ما كانت عليه قبل فترة الركود الاقتصادي، كما أن متوسط الدخل الأسري انخفض بمعدل 3.4 بالمئة عما كان عليه في عام 2000. والنقطة الثانية التي تجدر الإشارة إليها هنا هي أن البيانات الإحصائية المذكورة لم تُشر إلى مكاسب حقيقية تتعلق بالعام الماضي حول الدخل المتوسط لموظفي الدوام الكامل في أوساط الرجال والنساء معاً. ويعود سبب ذلك إلى التطور الذي شهده سوق العمل في ذلك العام، حيث ارتفع عدد موظفي الدوام الجزئي ذوي الدخل المنخفض الذين تحولوا إلى نظام الدوام الكامل بشكل كبير، وأدى ذلك إلى انخفاض مؤشر متوسط النمو. وهناك ما يشير إلى بوادر لحالة ركود طويلة المدى في مداخيل الرجال ذوي الأجور المتوسطة. ولا يبدو أن هناك مفرّاً من قول الحقيقة التي تفيد بأن سوق العمل للرجال لا يقدم لهم منذ بضعة عقود الفرص التي يبحثون عنها للرفع من مستواهم المعيشي.

صحيح أن انتهاء عصر العمالة الصناعية بمستوياتها العالية من الأجور التي كانت تدفعها للعمال الكادحين (من ذوي الياقات الزرقاء)، هي التي تقف وراء ندرة الحصول على فرص العمل الجديدة للشباب بالرغم من أن ذلك لا يحكي القصة كلها. ودليل ذلك أن عدد العمال في القطاع الصناعي ارتفع بمعدل 5 في المئة فقط منذ عام 1979 وحتى الآن، أي بمعدل 0.1 في المئة سنوياً فقط.

وينطوي الحديث عن تشغيل النساء على تعقيدات أكثر، حيث حافظت مداخيلهن السنوية على ارتفاعها المتواصل بسرعة وثبات منذ 15 عاماً. ومما ساعد على ذلك، زيادة الطلب على الخدمات التي تؤديها النساء، وارتفاع مستويات التعليم عندهن وتطور قدراتهن ومهاراتهن الوظيفية. وساعد كل ذلك على تضييق الفجوة الواسعة التي كانت قائمة بين أجورهن وأجور الرجال. وجاء في هذه الدراسة أن أجور النساء ارتفعت من معدل 60 في المئة من أجور الرجال عام 1960 إلى 80 في المئة العام الماضي.

وإذا كنت تظن أن الناس الذين أطلقوا هذه الأرقام كانوا على حق عندما اكتفوا بالاستشهاد بعامين طيبين من الأداء الاقتصادي الجيد، فأنت تحتاج للتوقف عن مخادعة نفسك والغوص أكثر في الحقائق التي تؤيد هذه التوجهات.

جاريد بيرنشتاين: كبير خبراء «مركز الميزانية والأولويات السياسية» في واشنطن

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»