سمير عطا الله

 توفي نجيب الريحاني العام 1949 عن ستين عاماً. ومنذ ذلك الوقت ظهر على المسرح الكوميدي في مصر عمالقة كثيرون، وفي صفوف المشاهدين، ظهرت أجيال عدة، وظهرت موجات فنية كثيرة، وتغيرت أساليب الإضحاك ومدارسها. وخرجت الكوميديا، كما قال محمد عبد الوهاب من «تشخيص» إسماعيل يس إلى كوميديا بلا أي حركة، كما مع سمير غانم. ثم تحول عادل إمام إلى ظاهرة جديدة، تجاوزت نجوم الأمس ورفاق «المدرسة» معاً.

لكن مؤرخي المسرح والفنون الأخرى في مصر ظلوا يعتبرون نجيب الريحاني «زعيم المسرح الهزلي» ومرجعه. وقد ابتعدت أعماله وأفلامه عن متناول الناس وتداولهم. لكن موقع الريحاني لم يتغير. وظل في حلم كل ممثل كوميدي ناشئ أن يقلده، لكنه كان شخصية لا تُقلّد. كان يبدو في مظهره مثل ممثل أدوار غرامية أولى، أو شخصيات تاريخية كبرى، لكن ما أن يخطو أو يتكلم أو يتحرك، حتى تنفجر الناس ضحكاً.
ولد الريحاني من أب عراقي موصلي، وأم صعيدية قبطية في الصعيد. وتزوج مرتين؛ أولاهما من ممثلة – مغنية – راقصة لبنانية تدعى بديعة مصابني، وهي يتيمة مر بها كل شقاء على الأرض قبل أن تصبح من نجوم الفن أوائل القرن الماضي. وعندما تقاعدت وملّت حياة الأضواء، عادت إلى شتورة، لبنان، لتعيش من مزرعة ألبان وأجبان.
وفي حياة المزرعة، روت للصحافية نازك باسيلا، مذكرات امرأة ولدت في دمشق لأم سورية وأب لبناني، ودارت بها الأرض من الأرجنتين إلى البرازيل إلى حلب إلى مصر إلى حيفا، الخ... وفي مصر تعرفت إلى الريحاني، وأصبحت نجمة مسرحه، ثم زوجته، ثم ممولته، ثم هجيرته، ثم ضحية حياته البوهيمية وإسرافه في السهر، وإسرافه في النوم، وإسرافه في الاقتراض، وإسرافه في عدم التسديد.
رغم مقدرة الراحلة نازك باسيلا ومهنيتها، فإن المذكرات مضطربة وغير موضبة، لكن سيرة تاريخية مروعة للأسر والمجتمع المشرقي في مرحلة قاتمة وجميلة خلال حربين عالميتين. المشهد الأكثر روعة في المذكرات، يوم خرج الريحاني إلى المسرح باكياً منتحباً، والحضور يقعون من الضحك. لقد أُبلغ للتو أن أمه توفيت، فلم يستطع التوقف عن النحيب. ليس فقط لأنها أمه، بل لأنها كانت أكبر مساعدة له في النكات. كلما تعقدت جملة ضاحكة عنده، لجأ إليها.