محمد الوعيل

يأتي احتفالنا باليوم الوطني الـ87 لتأسيس المملكة هذا العام، وسط زخم كبير من التحديات الداخلية والخارجية، وهي تحديات لابدَّ من التعامل معها، بحسٍّ وطني عالٍ، وإدراك أن منظومة هذه البلاد الطيبة، تحتم على كل أبنائها المخلصين التخندق خلف كل قيمنا ومقوماتنا الذاتية لدفع القاطرة السعودية للأمام، بالعمل وحده، وبالجهد المخلص البعيد تماماً عن أي تحزبات أو أجندات أو مصالح ضيقة.

وإذا كنا في غمرة مشاعر التأسيس الأول، بكل بطولات رجاله وصمود والتفاف شعبه، نستذكر دوماً عمق التجربة الوحدوية التي أنشأها الملك المؤسس، وصانها ورسخها أبناؤه الميامين من بعده، يجب ألا ننسى ما تمرُّ به بلادنا من ظروفٍ وتحديات تواجهها وتستهدف ضرب أمنها واستقرار شعبها ووافديها، من قبل أجندات إقليمية بعضها شقيق للأسف، وأخرى خارجية، والأكثر إيلاماً أن يكون بعض نخبتها متورط عمداً وبسوء نية.

ربما هذا ما يستوجب علينا جميعاً، تحويل كل مشاعر الامتنان للتجربة السعودية الحديثة، وشعاراتها ونتائجها إلى منظومة متكاملة، تتجاوز مجرد الكلام الشفوي أو المكتوب إلى ترجمة حقيقية تتدفق على هذه الأرض بكل المكونات والتيارات والشرائح الاجتماعية، فكرياً وثقافياً وعلمياً وفلسفياً.

برأيي، فإن تجربة التوحيد السعودية العملاقة، لا تستحق مجرد «يوم» نتعامل معه باحتفالية، ولكن يجب أن تكون خطوات فعلية بحجم وطن هو الأقدس، وبحق شعب هو الأوفى، واستطاع أن يثبت عبر كثير من المناسبات قدرته الفائقة على استيعاب التحديات التي تواجهه، ويتعامل بما يليق مع المستجدات باستيعاب مفاهيمها وإدراك مخاطرها في عملية وعي هي الأروع في تاريخنا الحديث، يتمسك من خلالها بقيم نشوئه وارتقائه، وينبذ دعوات تقسيمه أو التحريض على وجوده، طارحاً مبادئ الوطنية الأولى في أبهى صورها.

من هذه النقطة الأخيرة، يمكن فهم سرّ نجاح الشعب السعودي في إفشال مخطط الخراب والعبث الأخير باسم «حراك سبتمبر»، حيث كانت المواجهة الشعبية الرائعة ملحمة حب للوطن ووفاء للقيادة في ذكرى التأسيس والتوحيد، كشفت أنه أصبح لدينا مناعة قوية ضد أراجيف خفافيش القبح والظلام، وقدمت نموذجاً وطنياً مبهراً بامتياز في التصدي لمحاولات تعكير صفو المناسبة الغالية وتحويلها إلى فزاعة من فوضى العملاء والدخلاء.

يمكنني القول، إنه من خلال هذا التناغم بين الشعب وقيادته، وهذا الاستيعاب الواعي لتحديات المرحلة، نجدد مرة أخرى -وليست أخيرة- أن لهذا الوطن أبناءه الحريصين عليه، والأوفياء لعهده، والقابضين بكل فخرٍ على جمر وحدته وسيادته وأمنه واستقراره، وهذه وحدها أروع هدية نقدمها لوطننا في ذكرى تأسيسه ونهوضه وبنائه.