عبدالمحسن يوسف جمال

 لا شك في ان قيام منظمة تجمع دول العالم قاطبة للبحث معا عن السلام، ومنع الحروب، وتقدم البشرية في شتى مجالات الحياة، يعد عملا انسانيا راقيا يُفتخر به ولا بد من استمراره.
هكذا ينظر اغلب الناس الى منظمة الامم المتحدة الرابضة في نيويورك منذ عام ١٩٤٨.
والانضمام الى هذه المنظمة الاممية اصبح مدعاة لافتخار الدول.
ولكن ما يواجه المنظمة، وبالأخص هذه الأيام، هو زيادة مصاريفها المالية، التي تجمع بعضها من اشتراكات الدول، وبعضها من تبرعات الدول الغنية.
وتأتي الولايات المتحدة الاميركية في مقدمة الدول الممولة لها.
ومنذ فترة، وخاصة بعد تحرر المنظمة شيئا ما من الضغوط، ونجاح تكتلات بعض الدول من إصدار بعض القرارات التي لا تنسجم مع التطلعات الأميركية، انبرى المحافظون الاميركان للمطالبة بخفض التمويل تارة، ومطالبة المتشددين من الحزب الجمهوري بالانسحاب منها نهائيا تارة اخرى.
ولعل الرئيس الأميركي ترامب احد هؤلاء الذين يرون أن منظمة الأمم المتحدة ليست الا ناديا «يسمح للناس بالالتقاء والتحدث وقضاء وقت ممتع» لا أكثر.
واعتبر في لقائه الأخير الذي افتتح بكلمته المقتضبة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة أن البيروقراطية تعرقل عملها.
ويخشى العاملون فيها أن تقوم الولايات المتحدة بخفض تمويلها بشكل كبير، مما يشل العمل فيها، وهذا ما دعا الأمين العام انطونيو غوتيريس للمطالبة بالإصلاح والعمل السريع على تقليص النفقات، الذي سيؤدي بالتالي الى تقليص عدد العاملين فيها.
ولعل ذلك ما يجعل الولايات المتحدة، بصفتها الممول الأكبر للمنظمة، تقوم دائما بالضغط عليها لتمرير رؤيتها في الأحداث الدولية او التهديد بالانسحاب منها او تخفيض الدعم.
وسط هذه الأجواء المتوترة، وقف الرئيس ترامب وألقى كلمته، وهي الأولى له ليخاطب العالم من منطلق قدرة بلاده على استمرار عمل الأمم المتحدة أو شلها.
وفي المقابل، ستسعى دول العالم لإقناعه بأهمية هذه المنظمة التي استطاعت الحفاظ على الحد الأدنى للاستقرار بدلا من الذهاب الى المجهول من دونها.
وسنستمع الى خطابات زعماء العالم كما كنا نستمع كل عام، وسيواصل العالم مسيرته، وسيتواصل الجدل حول أهمية هذه المنظمة الدولية حيث المكان الوحيد الذي استطاع أن يجمع المتناقضات، ويجعل الأعداء يتحاورون بينهم بالكلمة بدلا من السلاح!