الحكومة اللبنانية محاصرة بإضرابات تشل إدارات الدولة

 وسف دياب

لم تنجح الحكومة اللبنانية حتى الآن، في استيعاب نقمة موظفي القطاع العام، وأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الحكومية والخاصة، الناجمة عن توجّه مجلس الوزراء إلى الطلب من البرلمان تعليق العمل بقانون سلسلة الرتب والرواتب لشهر واحد، غداة قرار المجلس الدستوري الذي أبطل قانون الضرائب الذي يشكل الرافد المالي الوحيد لدفع تكاليف السلسلة التي تقدّر بـ(800 مليون دولار أميركي) سنوياً،

ومع تأكيد رئيس الحكومة سعد الحريري، أن «الأولوية هي الآن لإقرار الموازنة وتمويل السلسلة»، باتت الحكومة محاصرة بالإضرابات وشلّ إدارات الدولة ومؤسساتها، والمرشّحة لتصعيد أوسع يترجم بمظاهرات واعتصامات في الشارع تبدأ اعتباراً من اليوم في وسط بيروت، ما لم تدفع وزارة المال رواتب شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، وفق الزيادات الواردة بقانون السلسلة.
ورغم الاتصالات المتسارعة بين الحكومة والمجلس النيابي، الهادفة إلى احتواء الوضع، فإن البلاد باتت رهن خيارات التصعيد التي لجأ إليها موظفو الدولة، الذين عطلوا أمس معظم الإدارات بفعل الإضراب، وتلويح الاتحاد العمالي العام باللجوء إلى إضراب مفتوح، بدءاً من اليوم الثلاثاء، لكنّ وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، اعتبر أنه «من حقّ الموظفين والأساتذة أن يحصلوا على حقوقهم من سلسلة الرتب والرواتب، وأن هذا السلسلة تحتاج إلى مصادر تمويل قبل دفعها»، لافتاً إلى أن «قرار المجلس الدستوري هو الذي عرقل الأمور».
وأكد المرعبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن التوصل إلى حلّ لقضية الضرائب لا يحتاج إلى وقت طويل إذا كانت النوايا سليمة، وجلسة مجلس الوزراء غداً (اليوم)، متوقفة على صدق النوايا السياسية، لأن ما يهمنا هو تسيير شؤون الناس». وعن الأسباب التي تحول دون توجه الحكومة إلى سحب سلفة خزينة من مصرف لبنان لدفع الرواتب مع الزيادة، أوضح المرعبي أن «الرئيس سعد الحريري، هو من طرح هذا الأمر خلال جلسة مجلس الوزراء أمس (الأحد)، وأيده بذلك وزير المال (علي حسن خليل)، لكن تم الاتفاق على دراسة هذا الاقتراح ضمن حلّ متكامل، لأننا لا نستطيع أن ندفع السلسلة هذا الشهر، ونوقفها الشهر القادم»، مبدياً اعتقاده بأن «هناك بعض الأفرقاء يحاولون أخذ مصالح الناس رهينة».
محاولات تبريد الأجواء، لم تقنع الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية، اللذين أعلنا عن تمديد الإضراب الشامل اليوم، وقال نقيب معلمي المدارس الخاصة رودولف عبود لـ«الشرق الأوسط»: «اتخذنا القرار بالإضراب العام غداً (اليوم)، ومظاهرة لكل من الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية في ساحة رياض الصلح، عند الحادية عشرة قبل الظهر، بالتزامن مع جلسة الحكومة». وأضاف عبود: «نحن معلمي المدارس الخاصة، نصرّ على أن يبقى قانون السلسلة قائماً، لا أن تلجأ الحكومة إلى إحالته إلى مجلس النواب لتعليقه»، معتبراً أن «المدارس الخاصة هي التي تدفع رواتب المعلمين وليس خزينة الدولة، وإذا علّق العمل به سنحرم من الزيادات المنتظرة».
وتسعى القيادات السياسية إلى فرملة الحركات الاحتجاجية، حيث أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون قبيل مغادرته إلى باريس، أنّ «سلسلة الرتب والرواتب ستطبّق، وإذا حصل بعض التأخير التقني فسيستدرك من خلال الاعتمادات المتوافرة لدى وزارة المال»، مشيراً إلى أنّ «أبرز حيثيات قرار المجلس الدستوري، هي ضرورة إقرار الموازنة وتضمينها اعتمادات تغطية السلسلة والمادة 87 التي تتحدّث عن قطع الحساب»، مشدداً على أنّ «الحكومة ومجلس النواب سيتّخذان إجراءات لتصحيح ما اعترى قانون الضرائب من شوائب وخلل».
من جهته، طالب رئيس مجلس النواب نبيه بري الحكومة، بأن «تنفذ ما رددته مراراً وتكراراً لتطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب». وقال: «دون أن ننسى أن من يحق له تشريع النفقات يحق له دائماً تشريع الواردات والضرائب داخل الموازنة أو خارجها ولا ننسى أن المجلس النيابي هو الذي يسن القيود دستورياً وليس من يُسن عليه القيود، إلا إذا أصبحت مخالفة الدستور قضية فيها نظر»، منتقداً ضمناً قرار المجلس الدستوري الذي أبطل قانون الضرائب بقوله إن «حكم المجلس الدستوري لم تأت به الملائكة».
بدوره، أوضح وزير المالية علي حسن خليل، أنّ «السلسلة حق مشروع لكلّ مستحقيها، وعلى الدولة والوزارات المعنية ونحن منها أن تنفّذ هذا الحق، التزاماً بالمسؤولية اتجاه النّاس ونصّ القانون». وأكد أن «وزارة المال حضّرت جداول دفع الرواتب وفق السلسلة الجديدة التزاماً منها بالقانون النافذ»، مشيراً إلى أن «هذا الأمر سيُبتّ في جلسة مجلس الوزراء غداً (اليوم)». وقال: «لم أتقدّم بأي مقترحات مكتومة في شأن معالجة أزمة سلسلة الرتب والرواتب، وأنّ ما يقرّره مجلس الوزراء سأنفّذه كوزير للمال».