سمير عطا الله

 هناك نوع من المذكرات الذي يشبه الخبز: تقف الناس في الطوابير من أجل الحصول عليه. أنا شخصياً لم أنتظر وصول «كِتابيه» إلى بيروت، بل طلبت نسختي من القاهرة عن طريق مكتبة «بيسان». ثمة مرحلة عاشها العرب مع عمرو موسى، لا بد أن يستعيدوها معه، بشفافيته وصراحته واحترامه لنفسه ومهامه.


بدأت معرفتي به يوم جاء سفيراً لمصر إلى الأمم المتحدة خلفاً للدكتور عصمت. شاب قادم من المدرسة الدبلوماسية خَلفاً لرجل محافظ قادم من المدرسة العسكرية. كانت مصر لا تزال معزولة في الأمم المتحدة وفي العالم العربي. ولكن حيوية عمرو موسى وقدرته على تحمّل النقاش والعروبة الأصيلة فيه، كانت تمكّنه من هزم مجادليه. وكنت أحد هؤلاء. وعمرو، السفير لدى الأمم المتحدة، ثم وزير الخارجية، ثم الأمين العام للجامعة العربية، لعب دوراً جوهرياً في عودة مصر.

كثير مما حصل، كانت له علاقة بشخصية عمرو موسى وكفاءته ودماثته المرفقة بشجاعة غير قابلة للمساومة. ثقته بنفسه وبسيرته، فتحت أمامه المنابر المجالس. وكل المناصب التي شغلها، حمل إليها طابعه. حتى الجامعة العربية استعادها من التقاعد، ونفض عن خزائنها الغبار، وعادت الناس تحكي بها كشيء له وجود. بل ضرورة.

لقد أرسل إليها كمنفى قريب، لكنه حوَّل المنفى إلى ورشة. وعندما أطلق شعبان عبد الرحيم، المكوجي الظريف، أغنيته «باحب عمرو موسى... وبكره إسرائيل»، كتبت في هذه الزاوية ما معناه «اللهم احمِ عمرو موسى من أصدقائه».

لقد بدأ الشارع المصري يتحدث عن رئيس مقبل، فيما كان السيد جمال مبارك يضع على الطاولة حلمه، والسيدة سوزان تضع الترتيبات. وكان لا بد من إبعاد لا يبدو إبعاداً ولا نفياً، لكنه يحمل بوضوح معالم الإزاحة. لكن عمرو موسى صنع لنفسه وهجاً آخر. وبعد انهيار حكم الرئيس حسني مبارك، رأيناه بين المرشحين للرئاسة.

ماذا لو أن الذي فاز يومها كان رجلاً في استقلالية عمرو موسى وخبرته وصورته الخارجية، وليس الدكتور محمد مرسي وعقليّة الانتقام والثأر وقلب وجه البلد؟ نحن، الذين خارج مصر جغرافياً، وداخلها عاطفياً، كنا نعتقد أن عمرو موسى يمثل المصالحة التي لا يمثلها الحزبيون. ويمثل المستقبل المتوافق عليه، لا الماضي المتنازع على تقييمه.

إلى اللقاء..