زياد الدريس

تداول مغردون كثر، أثناء احتفالنا بيومنا الوطني السعودي، قصاصة ورقية من صحيفة «أم القرى» بتاريخ 29/5/1351هـ (سنة إعلان توحيد وتأسيس المملكة العربية السعودية).

تتضمن الوثيقة التاريخية رسالة موجهة من وكيل أمير المدينة المنورة إلى الملك عبدالعزيز، وطيّها برقية وقّعها عدد من أعيان ووجهاء المدينة المنورة، تدعو الملك المؤسس إلى تعديل مسمى البلاد من: (المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها) إلى (المملكة العربية السعودية)، بناءً على مسوغات موضوعية واستراتيجية وضعها أولئك الحكماء من (المؤسسين الأوائل) من رجالات وأعوان الملك عبدالعزيز.

الوثيقة تنطوي على جملة من الملامح والمفاهيم التي تستحق التحليل والدراسة، خصوصاً عند الأخذ في الاعتبار الزمن الذي كُتبت فيه قبل ٨٧ عاماً. وسأشير إلى بعضها في الآتي:

١- المسوغات التمهيدية التي وُضعت في البرقية تدل على العمق والرصانة والحنكة التي قامت عليها هذه المملكة منذ بداياتها، وحسن اختيار المؤسس لرجالاته الذين شاركوه التأسيس، وحسن توجيهه لبوصلة التأسيس في مسار يجمع ولا يفرِّق ويُقنع ولا يقمع ويستدني ولا يُقصي.

٢- قال الموقعون في برقيتهم: «... ولكي يعلم القاصي والداني من الأصدقاء وخلافهم، أن هذا الملك بحول الله وقوته باقٍ على مر الدهور». سنلاحظ تعمّد أولئك الوجهاء تجنب استخدام كلمة (الأعداء) إزاء الأصدقاء، على رغم ما تمر به البلاد حينذاك من تكالب الأعداء على تلك الدولة الفتية من كل جهاتها الأربع. لم يكن تحاشي ذكر (الأعداء) في البرقية يعني عدم وجود أعداء، بل يعني الانشغال بمقاومتهم عوضاً عن الانشغال بذكرهم وتذكّرهم!

أدرك الملك المؤسس ومستشاروه أن الدولة القوية هي التي تنشغل، أو تتظاهر بالإنشغال، بأصدقائها أكثر من أعدائها. بعبارة أوضح: تنشغل بمقاومة أعدائها، بينما تنشغل بالحديث عن أصدقائها.

٣- يتبين من أسماء الموقعين على برقية المدينة المنورة تنوع أصولهم وجذورهم الإثنية، وهي الميزة التي استثمرها الملك عبدالعزيز يرحمه الله في تنويع أطياف سكان الدولة الجديدة واحترام أعراقهم من دون عنصرية أو تمييز. وهو ما استمرت عليه سجيّة المؤسسة الحاكمة حتى اليوم بكل توازن أخلاقي وشعور إنساني وإسلامي. إن التعمق في فحص وثائق تأسيس هذه البلاد يكشف عن الأساس المتين والقاعدة الصلبة التي قامت عليها المملكة العربية السعودية منذ بدايات غزل خيوط هذه الوحدة المتماسكة قبل أكثر مئة وعشرين عاماً، إبان فتح أبواب الرياض، وحتى اليوم حيث الطمأنينة على مستقبل دولة قامت على قاعدة متينة كتلك.