حسين شبكشي

لكل من يعرف المجتمع السعودي جيداً يدرك أن قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة (مثلما سمح لها بالتعليم والانضمام لعضوية مجلس الشورى من قبل ذلك)، هو من أجرأ القرارات وأشجعها في السياق الاجتماعي.

النزول إلى منطقة محظورة تماماً لم يكن من الممكن تخيلها من قبل من كثرة ما تمت إحاطتها بمخاوف ومحاذير شديدة.. وهذا ما حدث تماماً في هذا المشهد. المجتمعات الحية تتحرك دوماً وتتكيف مع أوضاعها والحراك الحاصل في السعودية في السنة والنصف الماضية وكم القرارات «المبهجة» المركزة، يدل على أن السعودية هي البلد الأكثر ديناميكية على الصعيد الاجتماعي في المنطقة اليوم، وأن الحراك الإصلاحي والتصحيحي الحاصل فيها ستكون له آثار عظيمة وكبيرة على المنطقة ككل بلا أي استثناء. 

رمزية القرار تكاد تكون أهم من القرار نفسه؛ فلسنوات طويلة ظلت مسألة عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة مسألة غير مفهومة (للسعوديين قبل غيرهم)؛ فتارة كانت المسألة يتم التداول فيها من وجهة نظر دينية إلا أن العالم الإسلامي كله أجازها، وبالتالي كانت هناك صعوبة في فهم المسألة، ثم كان العامل الاجتماعي، وهي مسألة صعبة الفهم، فهناك من النساء من تقود السيارة في القرية والبر، وبقبول اجتماعي. 

لقد ضاق كثيرون ذرعاً من السؤال لماذا منع المرأة من قيادة السيارة، وأسقط في يد كل من حاول الإجابة عن هذا السؤال، لأنه كما يبدو لم تكن هناك إجابة مقنعة أبداً. الأهم في هذه المسألة هو وجود قيادة سعودية اليوم مستعدة لأخذ القرار والمضي قدماً دون النظر إلى الخلف، وبأيد واثقة وأقدام ثابتة على الأرض الصلبة. 

ما تظهره لنا حالات القبول الشعبية العارمة في المجتمع السعودي لسلسلة القرارات الإصلاحية هو أن الفزاعات التي وضعت أمام وجه المجتمع السعودي خلال السنوات الماضية لتخويفه وإثارة الرعب فيه أمام كل تغيير أو قرار إصلاحي، تتساقط بسرعة وتباعاً، وتتهاوى كبيت الورق. لقد تجاوز المجتمع السعودي الاختبار بكل جدارة، وقرر وبكل قوة السير بثقة وثبات نحو صناعة غد أفضل. تقديم المرأة في هذا القرار التاريخي إلى مقدمة السيارة بشكل رمزي يعني عملياً إرجاع التشدد بكل أنواعه إلى المقعد الخلفي، أما الدين الصحيح فهو بريء من كل هذا التشدد. 

على المستوى الشخصي كنت أتحدث مع جدي عن السماح للمرأة بقيادة السيارة، ورحل قبل أن يسمح لها، وبعد ذلك تحدثت مع والدي عن المسألة نفسها، ومات قبل أن يسمح لها، ثم تحدثت مع أولادي، وها أنا أرى القرار يصدر قبل وصول أحفادي إلى الدنيا. لا يوجد اليوم بلد في العالم العربي يشهد حجم وعدد القرارات الإيجابية وفي فترة قصيرة مركزة كالذي يحصل في السعودية اليوم، دلالة على قيادة واثقة وغير مترددة، وهذا هو الذي يصنع التاريخ والفارق. 

ستكون للقرار أبعاد اقتصادية واجتماعية في منتهى الإيجابية، وسنغلق ملفاً لم يعد من المنطق الإبقاء عليه. 

تحية واحترام لصاحب القرار التاريخي الملك سلمان، ولولي عهده الأمير محمد بن سلمان مهندس الفرحة السعودية.