رحلة تاريخية على متن «دولاب» مثقل بألوان الحضارة والثقافة والفنون، حط رحاله على ضفاف نهر سان لوران في مونتريال ونقل اللاجئين السوريين بكل آلامهم وآمالهم الى جوار إخوتهم وأبنائهم المقيمين على أراضي المقاطعة الجميلة. تراث شامي، خط عربي، موسيقى، منتجات حرفية، مأكولات شعبية تقليدية، ولوحات تضج بالتلوينات الفنية والثقافية والترفيهة، كلها من نتاج بلد ضاربة جذوره في التاريخ يستصرخ من أقاصي الدنيا ضمائر من عاثوا فيه قتلاً وتدميراً وتهجيراً لأكثر من نصف أهله، حل منهم حوالى 50 ألفاً ضيوفاً على الأراضي الكندية.

مهرجان «دولاب ليالي الشام» الذي استمر ثلاث ليال، نظمه «البيت السوري» في مونتريال، وكان حدثاً مبتكراً في مظاهره ومضمونه. وهو لم يكن حكراً على السوريين بل دعوة لمشاركة المجموعات الإتنو- ثقافية للتعرف واكتشاف ما تختزنه سورية من عراقة التراث والأسواق الشعبية والأدب والموسيقى والمعارض وورش العمل الإبداعية وأنشطة لمكنونات الحياة السورية القديمة والمعاصرة. وتعاقب على أداء هذه الورش أكثر من عشرين فناناً من المقيمين والمهاجرين فتعارفوا على بعضهم بعضاً وتبادلوا الخبرات مع مواطنيهم الكيبيكيين.

ماريا ظريف، المؤسسة والمشاركة في المهرجان ومديرة «بيت سورية» في مونتريال وصفت المهرجان على رغم حداثة عهده بأنه «أكثر من احتفالية موسمية لجمع الشمل، وانما خطوة تحول على طريق تجديد الحياة السورية وإثرائها في الاغتراب ودعوة الى عودة النازخين قسراً الى ديارهم في ظل الأمن والاستقرار والطمأنينة».

وحرص وزير الشؤون البلدية في مونتريال مارتن كويتوكس على حضور المهرجان وأشاد بتنظيمه وأهدافه، مشيراً الى انه «من دواعي الفخر أن حكومة كيبك تعتز بهذا الحدث الثقافي- الفني الذي يساهم في تمتين أواصر الصداقة والانفتاح والتقارب بين السوريين والكيبيكيين». أما وزيرة الهجرة والتنوع والاندماج كاتلين ويل فركزت على احتضان كندا النازحين السوريين وتقديم كافة وسائل الدعم لهم، مشيدة بدور الجالية السورية ومساهمتها في تنمية الحياة الفكرية والاقتصادية في كيبك.

بانوراما غنية

تميز المهرجان بغنى ما تضمنه من ورش فنية بعضها خصص للأطفال (5- 10 سنوات)، كتدريبهم على يد الموسيقي يزن شريف على عزف بعض الآلات الموسيقية خصوصاً العود الدمشقي والتعرف الى صورها وألحانها وتنمية مواهبهم وتطوير حسهم الموسيقي. أما الأنشطة الأخرى فتمحورت حول ورشة الخطوط العربية وفنون الموزاييك السورية الاحترافية التي أشرف عليها جاسم دندشي وناهد كوسا، وتجمع الأوراق المبعثرة واعدة تشكيلها بأشكال وألوان زاهية على يد ريا خير الله، وورشة الارتيزانا الزجاجية للفنانة ماري ديريوسان الجذابة في صنعها ودقتها، وعرض الفضيات المعتقة والمنحوتات التاريخية والمعاصرة وخزفيات التزيين للأدوات المنزلية. أما لعبة الطاولة فتحملق حولها الهواة من كبار السن لمشاهدة التحديات «الساخنة» بين أبطالها. وينتهي المشهد الفني بعرض مسرحي لحكاية موسيقية للأطفال «بيار والذئب» من تأليف سيرجي بروكوفييف. أما الفصل الثقافي فانتهى بمحاضرة لناهد كوسا سلط الضوء فيها على أعمال محمد خير الدين الأسدي مؤلف موسوعة «حلب المقارنة». واختتم بتقديم «دليل الثقافات السورية» في مونتريال الذي يجمع نخب المثقفين والفنانين والحرفيين ونشاطهم ودورهم في مد جسور التعاون مع مؤسساتهم الاغترابية وأقرانهم الكيبيكيين.