مأساة الروهينغا: هل هي حرب دينية

علي الشريمي 

إذا أردنا نصرة الأقلية المسلمة في «ميانمار»؛ فإن ذلك يكون بطرح قضيتهم دوليا، وإبرازها على السطح بطريقة موضوعية، لا يُستخدم فيها التدليس والعبارات التي تدعو إلى الكراهية الدينية

لا أدري لماذا يصر الكثيرون على إظهار مأساة الروهينغا بأنها مأساة اضطهاد ديني، وأنها حرب على الإسلام؟ 
إنني أتساءل: إذا كان من يقترف هذه الجرائم من الأغلبية البوذية ضد الروهينغا المسلمة، فهل هذا يعني أنها حرب دينية، خاصة إذا علمنا أن الديانة البوذية ترفض العنف تماماً ؟! ومن جهة أخرى فإن من هربوا من ولاية «الراخين» غرب ميانمار إلى بنجلاديش ليسوا كلهم مسلمين، بل بعضهم بوذي ومسيحي، أجبرتهم جميعا الحرب الأهلية على الفرار، وأن نسبة من سكان «الراخين» هم بوذيون وكانوا يعيشون سابقا في سلام مع المسلمين الذين كانوا يمثلون الأغلبية في هذا الإقليم، وهذا يؤكد أن الصراع لو كان دينيا لاقتصر على المسلمين دون غيرهم.
إنني أعتقد أن هناك جهات متطرفة ومتشددة من المسلمين ترغب دوما في تصوير أي حادثة على أنها ضد المسلمين في أي بلد في العالم وكأنها حرب صليبية، أو عدوان على الإسلام.
والحق إذا أردنا نصرة الأقلية المسلمة في «ميانمار»؛ فإن ذلك يكون بطرح قضيتهم دولياً، وإبرازها على السطح بطريقة موضوعية، لا يُستخدم فيها التدليس والعبارات التي تدعو إلى الكراهية الدينية. 
ما يجري في «ميانمار» من جرائم بحق الإنسانية، هي في الواقع أكبر وأخطر من التطرف الديني، هي مأساة غياب هوية، مأساة انعدام جنسية، جريمة تطهير عرقي واضحة حتى وإن رفضت مستشارة الدولة في ميانمار «أون سان سوجي» والحائزة على جائزة نوبل للسلام الاعتراف بها، والتي يطالب العالم اليوم بسحب جائزتها نظراً لموقفها المتخاذل من القضية، الذي أنكرت فيه حدوث أي تطهير عرقي. ومع أن الحملة ضدها قد لا تحقق نتيجة تذكر، فليست لديها أية صلاحيات، لكن استمرار الضغط هو أمر ضروري. 
تدعي حكومة ميانمار (بورما سابقاً) أن الروهينغيين هم من أصول بنغالية، في حين ترفض بنغلاديش الاعتراف بهم كذلك، تتقاذف ميانمار وبنغلاديش هؤلاء بشكل عشوائي بشع، واضعة إياهم في مخيمات حدودية ومستوطنات تقع تحت خط الفقر، معرضة كل الروهينغيين لخطر الإبادة الجماعية بما أنهم أصلاً عديمو الجنسية. الإشكالية هنا في التعامل مع مثل هذه الكوارث الإنسانية لأنها ستكون هدفا سهلا لدخول الجماعات المتطرفة، والإشكالية الأكبر هي موقف الحكومة من تغطية هذه العنصرية المقننة، واتهام الفئة المضطهدة بأنهم ضالعون في الإرهاب، بينما تقف كل منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية موقفاً واضحاً في تسمية ما يجري بأنه تطهير عرقي، وأنه جريمة ضد الإنسانية، تحولت إلى عملية إبادة جماعية.
إذ ذكرت في تقاريرها الأوضاع البائسة في ولاية «راخين» وتفاقم ظاهرة التمييز العنصري التي تطال جميع فئات المجتمع وعلى الأخص فئة «الروهينجا» المسلمة، وطالبت بالتركيز على الاحتياجات العاجلة للمشردين، الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، وهم يعانون ظروفاً صعبة ويتعرضون لمعاملة قاسية لا تحترم إنسانيتهم، حيث أشارت إلى أهمية تشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات الأخيرة والتدخل السريع لإيقاف الاضطهاد المنهجي ضد الأقلية المسلمة، واتخاذ كافة التدابير الإصلاحية التي ترتكز على سيادة القانون والمواطنة المتكافئة والمساواة وتجنيس الفئة المسلمة «البدون».