عمّار علي حسن

 لا ينبغي أن تقوم مواجهة ظاهرة القرصنة مقابل الشواطئ الصومالية على تجريب نظريات سياسية واستراتيجية غربية جديدة، منها إعادة احتلال الصومال كاملاً، أو دفع أساطيل بعض الدول الكبرى إلى المياه الإقليمية لهذا البلد، أو توجيه ضربات مكثفة إلى مناطق ومواقع محددة في الصومال تتركز فيها حركة «المحاكم الإسلامية» على وجه الخصوص، فمثل هذه الأساليب لا يمكنها أن تأتي بثمار طيبة، بل قد تزيد الطين بلة، وتوسع دائرة «الفوضى الهدامة» على أرض الصومال، وتجعل قطاعاً عريضاً من الصوماليين يفضل الانتحار في عرض البحر عن الموت جوعاً ومرضاً فوق الأرض القاحلة، ومن هنا تتسع دائرة القرصنة، وتجد لها جذوراً اجتماعية بعد أن كانت ترتبط بالتشكيلات العصابية والإجرامية.

ويبقى الحل الأنجع في النهاية هو إعادة الدولة الصومالية إلى الحياة مرة أخرى، بإيجاد سلطة مركزية ضابطة، وتوفير الدعم المادي والمعنوي لها، بما يمكنها من السيطرة الكاملة على حدود الصومال وسواحله، ويجعلها في موضع مساءلة دولية إن قصرت في أداء هذا الدور وتلك المهمة، وهذا الأمر يتطلب استبدال سياسة المواجهة والحسم العسكري للمحاكم أو غيرها بسياسة التيسير والاحتواء، أو استعمال الخيار العسكري لخدمة هدف واحد هو استعادة مركزية الدولة في الصومال، وهي مسألة يجب ألا تكون بعيدة عن أذهان القوى الإقليمية المتضررة من استفحال ظاهرة القرصنة وفي مقدمتها مصر والسعودية واليمن، وعليها أن تقنع القوى الدولية الساعية بكل قوتها إلى الحفاظ على تدفق النفط إليها بتبني هذا التصور، الذي يبدو أنجع وأقل تكلفة من الخيارات العسكرية الانتقامية، وعليها في الوقت نفسه أن تنسق عربياً لمواجهة القراصنة.

ومن الطبيعي ألا تقف مصر صامتة إزاء هذا الوضع الذي يؤثر على أمنها القومي، ومن المتوقع أنها ستستخدم علاقاتها ببعض الأطراف الصومالية، وثقلها الدبلوماسي في القارة السمراء من أجل المساعدة على التوصل إلى حل ناجع لمشكلة غياب الدولة الصومالية الذي أدى إلى العديد من الآثار السلبية ومنها القرصنة.

وعلى المستوى التكتيكي فإن البحث عن حلول بعيداً عن استراتيجيات القوى الكبرى لا يعني بأي حال من الأحوال عدم الاستفادة من الأساليب والطرائق والأفكار التي أنتجها علماء وخبراء غربيون في التصدي لظاهرة القرصنة. فكل هذا يدخل في باب الحكمة والمعرفة الإنسانية الجامعة والمشتركة، التي ينبغي إمعان النظر فيها واستعارتها أو بعضها.

وحسب بعض الأساليب الغربية، فهناك قاعدتان للتعامل مع القراصنة، الأولى هي استغلال ضغوط الوقت، إذ إن الوقت هو الحد الفاصل والقاطع الذي يضغط على أعصاب القراصنة وعقولهم وعواطفهم، فكلما مر الوقت من دون الاستجابة لمطالبهم وابتزازهم التي غالباً ما تكون مادية، يجدون أنفسهم مضطرين إما إلى تقليل مطالبهم تدريجياً، أو ارتكاب أخطاء قد تؤدي إلى القبض عليهم ومحاسبتهم. وقد تتلاشى هذه المطالب ولا يجد القرصان بداً من الجنوح إلى الصلح أو إعلان الاستسلام.

والقاعدة الثانية هي استعمال طرائق فض الصراعات: ويستعان في هذا المضمار بما طوره مركز شرطة نيويورك بوساطة فرانك بولز في معرض سعيه إلى وضع حلول منطقية لمواجهة الأزمات الخاصة بالمحتجزين، وقد تحول هذا البرنامج إلى نموذج يحتذى في كل مراكز الشرطة في جميع الولايات الأميركية، بعد أن أثبت فاعليته وجدارته في المحافظة على سلامة المحتجزين وإنهاء الأزمات بسلام. وينطوي هذا النموذج على خمسة بدائل، حسبما يذكر د. سعيد بن علي العضاضي، في دراسة مهمة له بعنوان: «الناقلة المختطفة.. خمسة بدائل للدراسة والتقييم»:

أ- الهجوم مع قليل من التفاوض، وقد استخدمت هذه الوسيلة في أحداث حصار السجن في ولاية أتيكا عام 1971، وفي حادثة احتجاز الرهائن في مدينة الألعاب الأولمبية في ميونيخ 1972، إلا أن النتائج كانت مفجعة، ويبدو أنها لم تكن الوسيلة المناسبة لمواجهة هذين الحدثين الجللين.

ب- متابعة الموقف عن كثب لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، فإذا لم تكن هناك أحداث مؤسفة متوقعة، فيفضل التريث للإلمام بتطورات الموقف وتلاحقه.

ج- التفاوض الجاد من دون تقديم تنازلات، قياساً على المقولة التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان: «لن نتفاوض مع الإرهابيين». وهذه الأداة عادة ما تلقى قبولاً جماهيرياً، إلا أنها توصف بالجمود ولا تحدث أي تقدم يذكر في إنهاء الصراع.

د- خداع الطرف الآخر وقت التفاوض معه بإيهامه بأن هناك تنازلات معينة. وهذا نوع من التكتيك لا يحقق مكسباً على المدى القصير، بل قد يتسبب في خسارة على المدى الطويل، لأنه يقطع جسور الثقة بين الطرفين المتفاوضين. ولا ينصح باللجوء إلى هذا التصرف إلا في حالات نادرة، وبشكل محسوب.

ه- التفاوض بإخلاص وجدية مع الاستعداد التام لتقديم تنازلات، وهنا من اللازم أن يرتب المتفاوض أفكاره بعناية، ويلتزم الهدوء، ويتوخى الأساليب الواقعية، ويبذل كل جهد مستطاع لكسب ثقة المخطوفين، ويأخذ في الحسبان معالجة الأوضاع الإنسانية.