&سمير عطا الله

&نبأ في صحيفة مصرية عن قرية مصرية، وليس في صحيفة سويدية من قرية من قراهم: يقوم السكان، يداً واحدة، بتنظيف القرية قبل وصول الطيور المهاجرة في موعد مرورها السنوي. وقال لي صديق عاد من القاهرة مؤخراً، إن أكثر ما لفت نظره في المدينة، التي يتردد عليها منذ سنوات، نظافة لم يلحظها من قبل.

نحن، في لبنان، بعاصمته وجهاته، ننتظر الطيور المهاجرة كل عام، لكي نُسقطها برصاص رشاشات الرفيق كلاشنيكوف. لا للأكل، فهي لا تؤكل، بل للتمتع بمنظر سقوطها، ثم عرضها مع قاتلها البطل، في الشوارع. والذين يمرون بهذا المشهد نوعان: بشر، أو صنف آخر. واحد يستنكر هذه الوحشية العبثية، وآخر لا يستحي من عالم 2018.
لا أحد يعرف عدد الذين يسقطون بما يسمى «الرصاص الطائش» في الجمهورية اللبنانية، التي قامت فيها مرة أهم مدرسة للقانون الروماني. لكنه عدد مثير للحزن والاشمئزاز. بعد خطاب سياسي، يخرج اللبنانيون برشاشاتهم، ليطلقوا النار في الهواء فرحاً وابتهاجاً بما قيل، أو بمن سيقتل في منزله، أو سيارته، لمجرد أن الخطاب كان حماسياً. ويحدث ذلك في الأعراس والأعياد، وسائر المناسبات التي ينكشف فيها مدى التعلق بهذا التعبير المتوحش، في بلد عبَّر أهله البشر عن الحزن والفرح بصوت فيروز، وشعر «الأخطل الصغير» أو خطب بشارة الخوري، رئيس الاستقلال.
إن لم نرأف بالطيور، لن نرأف بالناس. ولا أعرف نوع الشعور الذي خامرني عندما قرأت في صحيفة عربية مؤخراً، نقاشاً حول تربية الأبناء بالضرب والعنف. والمذهل كان عدد المؤيدين، في هذا القرن «لثقافة» «تربية» الأولاد بالعصي والحجارة والقباقيب، أو ما هو أفظع وأقسى: عضلات الأب وصفعات الأم. وهذا تعبير شائع يُستخدم لتسمية حتى النساء اللاتي يعتدين على فلذات أكبادهن، بالعنف الذي يترك آثاره مدى العمر.
ليت هذه الفئة من الكائنات تشاهد القنوات التي تعرض حياة الحيوانات. وكيف تغمر الأم صغارها، وكيف تطعم القرود مواليدها، وكيف أن جميع أهل الغابة «يدربون صغارهم» بطريقة واحدة، هي أن يقلدوها فيما تفعل.
ثمة جمعية تحمل اسم «تحيا مصر» للعناية بالمحتاجين. فلتحيا أيضاً قرى مصر التي تهيئ سبل الإقامة العابرة للطيور العابرة. لتحيا الشعوب التي صارت تربية الأطفال عندها من بقايا القرون الوسطى. وتحية خاصة إلى القاهرة المزدادة والمزدانة نظافة. فنحن، أهل «المدن» اللبنانية، غارقون في القمامة جبلاً وسهلاً، وخصوصاً بحراً. وذلك المتوسط الذي قال لي نائب المارشال تيتو، إنه يتميز في لبنان بزرقته، أصبح الآن يتميز بزرقة أكياس البلاستيك. يومها قال ميلوفان دجيلاس أيضاً، إنه يتذكر من لبنان أمرين: كمال جنبلاط وزرقة المتوسط. وقد اغتيلا كلاهما.