هاني الظاهري

لطالما أشرت في مقالاتي ولقاءاتي التلفزيونية إلى أن المؤسسات الصحافية السعودية العريقة تشكل على أرض الواقع أهم منظومة دفاع استراتيجي قليل الكلفة للمملكة، حتى مع الطفرة التقنية التي يشهدها العالم والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الصحف المطبوعة مازالت هي أهم صانع محتوى تقتات عليه الفضائيات وأشهر المنصات الرقمية الإعلامية، وهو ذاته المحتوى المرجعي الأهم الذي تنشغل به مراكز الدراسات والبحوث الدولية ومراكز صناعة القرار السياسي حول العالم، وما لم تسقطها الأعباء المالية التي تضرب الصحف في كل بقاع هذا الكوكب اليوم، ستظل الصحف السعودية المطبوعة ومنصاتها الرقمية الصخرة الثقيلة على صدور أعداء الرياض وأهم صانع محتوى دفاعي حقيقي مؤثر في السياسة الدولية.

أكتب هذا بعد أن اطلعت بالمصادفة قبل أيام على دراسة بحثية صدرت عام 2016 بعنوان «خريطة القوى الإعلامية في المملكة العربية السعودية» عن ما يسمى «المعهد المصري للدراسات» وهو مركز بحثي يرأسه من تركيا الدكتور الإخواني عمرو دراج الذي تولي منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي في مصر خلال فترة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، وهو أيضا عضو مؤسس لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان، أما مدير المعهد المذكور فهو الدكتور عصام عبدالشافي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة سكاريا، في تركيا، والذي تشير سيرته الذاتية إلى أنه عمل باحثاً زائراً في مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة، وسبق أن شغل منصب مدير إدارة البحوث والدراسات في المركز الدبلوماسى للدراسات في قطر عام 2015، وهذا يوضح بالطبع توجهات المركز الذي أصدر الدراسة المشار إليها.

كان واضحاً لي من عنوان الدراسة «خريطة القوى الإعلامية في السعودية» قبل حتى قراءة محتوياتها أنها في الأساس تقرير تم رفعه لجهات مهتمة جداً بأسلحة السعودية الإعلامية، وغالباً جهات معادية وهو ما جعلني أبحث في خلفية المركز الذي أصدرها وأتوصل للمعلومات التي ذكرتها هنا، أما سبب وقوعي عليها فهو سبب طريف إذ إنني كنت أبحث عن مقال قديم لي عن الإعلام في محرك البحث الشهير google فظهرت الدراسة ضمن النتائج لورود اسمي فيها.

الدراسة المشار إليها تضمنت مقدمة عدائية للسعودية بامتياز وهي تبحث في كيفية ضرب ما أسمته «ترسانة إعلامية برائحة النفط»، و«الإمبراطورية الإعلامية السعودية»، ويرد فيها ما يمكن أن ينطبق عليه بيت الشعر العربي الشهير «الحق ما شهدت به الأعداء» إذ تتضمن ما نصه: «بالرغم من كل التطورات التي دخلت على وسائل الإعلام؛ تبقى للصحف المقروءة والمصادر الورقية، أهميتها الكبرى في تحقيق رسالة الإعلام «information»، بالمعنى الواسع، في صناعة ونقل الخبر، وتوجيه الرأي العام، وإيصال المعلومة، باعتبار أن الصحف أحد أهم وسائط الإعلام الجماهيري الـmass media».

الجيد في مثل هذه الدراسات المعادية أنها تكشف بشكل واضح وعن غير قصد مكامن ألم أعداء السعودية، ومدى قوة «الصحافة المطبوعة» وذلك يجعل من دعمها ضرورة استراتيجية ملحة لا مسألة ترف كما قد يصور البعض، كما أن هذا الدعم (إن وجد) ينبغي أن يكون برأيي موجهاً بدقة لأهداف محددة ويُدرج ضمن استراتيجية الدفاع الوطني لا الإعلام.