&خالد القشطيني

& تعرضت للأساطير في ميدان العلوم في العصر الحديث بعد أن نمت وتكاثرت في عصرنا هذا، عصر العلوم. النوع الآخر من الأساطير الذي أصاب نجاحاً وإقبالاً كبيراً في هذا العصر هو نوع الأساطير السياسية. وهذا نوع لا يدانينا فيه أي شعب من شعوب العالم.


نحن من دون شك السباقون فيها، ولا سيما أساطير الانتصارات. ومررنا بالكثير منها في أيام صدام حسين وحربه مع إيران. هناك أسطورة قادسية صدام وبعد انتهاء الحرب أسطورة القائد المنتصر. تسأل كيف انتصر وما الذي حققه فيها؟ يجيبونك عن سؤالك بمنطق الأساطير وخيالاتها. يقولون ماذا كان الهدف؟ لم يكن الاستيلاء على إيران أو إسقاط نظامها وتمزيق جيشها. كانوا يقولون إن إيران كانت تسعى لإسقاط صدام حسين. ولكنها فشلت في ذلك وبقي صدام حاكماً في العراق. إذن فهو المنتصر.


وهذا قول يشابه قولك إن هتلر لم يخسر الحرب العالمية الثانية. وشاعت بين الناس فكرة أنه لم يمت وما زال حياً في الأرجنتين. وكانت واحدة أخرى من أساطير السياسة. ومن يشكون في ذلك يجيبونهم بالإشارة لهذا الازدهار الرائع الذي حققته ألمانيا في السنوات اللاحقة لنهاية الحرب. يقولون كيف حققت ألمانيا هذا الرخاء والازدهار؟ تم ذلك لأن هتلر بقي حياً يوجه بلاده من الأرجنتين، وكل هؤلاء العظماء الذين قادوا ألمانيا كأديناور كانوا يعملون ويخططون بتوجيهاته. ألمانيا هي الدولة المنتصرة وكل الدول الغربية الأخرى يتوسلون بها كما نجد.
والأساطير السياسية على نوعين: هناك الأساطير الإيجابية كأساطيرنا عن الانتصارات. وهناك الأساطير السلبية. ولدينا أيضاً عينة كبيرة منها. من ذلك أسطورة المؤامرة. كل ما يصيبنا من هزائم أو انقلابات أو نكسات حدثت نتيجة للمؤامرات الإمبريالية والصهيونية. كل ما ابتلينا به من تأخر وأمراض وفقر وفشل حدث بتخطيطات إمبريالية صهيونية تسعى لإبقاء العالم العربي في الجهالة والفوضى والانشغال بالإرهاب فلا يجد هذا العملاق الكبير من عالمنا سبيلاً للوقوف على قدميه.


ما هي الحجة في هذا الكلام؟ يستشهدون لك بشتى الأقوال ومنها قول إناتول فانس، ما من سمكة تتحرك في البحر إلا وكان الإنجليز وراءها ويحركونها. وطبعا - تقول الأسطورة - ما نحن سوى زعانف في تلك السمكة. هكذا قضيت طفولتي وشبابي في العراق. لم تلم بنا مصيبة إلا وقلنا إن الإنجليز وراءها. ومن منطلق هذا الإيمان الأسطوري غنى المنولوجست عزيز علي أغنيته الشهيرة التي يندد فيها بالسفير البريطاني:
منه، منه، منه ............ كلها منه
مصايبنا وبلاوينا...... كلها منه


حلت أميركا الآن محل بريطانيا في هذه الأسطورة. ما الذي جعل صدام حسين يهجم على الكويت؟ فعل ذلك بإيعاز من جورج بوش. تسألهم لماذا أرادت أميركا هجومه على الكويت؟ يقولون للحد من إنتاجها النفطي لتسيطر أميركا على مقدرات أسواق الطاقة في العالم.