& سالم حميد

بالتزامن مع حالة الهلع التي أصابت المراهنين على النظام التركي، وعلى ما يمثله في نظر الإسلام السياسي من أنموذج لقيادة مرحلة الازدهار الوهمية المؤقتة. ومع استمرار انهيار الليرة التركية خلال الأسبوعين الماضيين بشكل دراماتيكي، أثار الفزع والقلق في نفوس من يعتبرون أسطنبول قبلة العالم الإسلامي.. سارعت قطر قبل أيام إلى تنفيذ محاولة أخيرة لمد حبل النجاة لإنقاذ الليرة التركية، وذلك بالإعلان عن استثمار 15 مليار دولار في السوق التركية، على شكل استثمارات جديدة وودائع وضمانات. بينما يعتبر محللون أن الأزمة التركية أعمق من ذلك بكثير. لكن قطر التي تعرف أنها تستثمر في الوقت الضائع تريد إنقاذ حليفها ومساعدته تحت ضغوط أيديولوجية وعاطفية، تتصل بالصورة التي أصبحت تمثلها تركيا بالنسبة لتيار «الإسلام السياسي» الذي يهيمن على توجهات السياسة القطرية ويفرض عليها أين توجه أموالها!
وعلى مدى السنوات الماضية يعبث التوجه «الإخواني» بأموال قطر، ويتم استغلال ضآلة عدد سكان قطر لإنفاق عائداتها المالية في مغامرات خارجية، وأحدث مثال على ذلك محاولة إنقاذ النظام التركي والاستثمار في بنيته الاقتصادية المتهالكة. وبهدف تشجيع قطر وتبرير قيامها بهذه الخطوة الخاسرة، تم التهليل للمبادرة ومنحها صبغة خرافية، في حين تم تجاهل أسباب الأزمة في تركيا ذاتها التي تتجه نحو المزيد من التعقيدات، بفعل الاستبداد والانزلاق المستمر نحو الفوضى وغياب الاستقرار.


وكانت سائل التواصل الاجتماعي شهدت خلال الأسبوع الماضي حملات دعائية منسقة، قام بها أبرز رموز تنظيم "الإخوان" والناشطين المعروفين بانتسابهم إلى الجماعة الإرهابية، وتركزت الدعاية حول دعم العملة التركية. والمضحك في الدعاية "الإخوانية" للاقتصاد التركي المنهار أنها قامت على الترهيب والترغيب. وكعادة المدمنين لتسييس الدين قاموا بإكساب حملتهم مسحة دينية تربط بين إنقاذ الاقتصاد التركي وبين الانتصار للعقيدة!


في هذا السياق يتجاهل الكثيرون أن هناك العديد من المغالطات بخصوص المشهد الاقتصادي التركي، إذ يخطئ من يفسرون سبب انهيار العملة التركية بأنها عائدة إلى العقوبات الأميركية الأخيرة، لأن العقوبات الأميركية عملت فقط على زيادة وتيرة التعثر. أما بالنسبة للحليف القطري الذي يتحكم به «تنظيم الحمدين» فقد ربط مصيره منذ سنوات بمستقبل الإسلام السياسي، وكل من يلتزمون بأيديولوجيا تنظيم الإخوان يعتقدون أن تركيا تمثل في الوقت الراهن رأس حربة المشروع "الإخواني"، رغم المسحة العلمانية المتبقية في المجتمع التركي، والتي يسعى حزب أردوغان إلى تفتيتها على مراحل بواسطة تعديلات قانونية متوقعة.
وبالخطوة الأخيرة تواصل قطر الارتماء في أحضان الحليف التركي الذي ساعدها على الانسلاخ عن الوسط الخليجي، وفي الوقت ذاته تورطت الدوحة في استعداء الولايات المتحدة الأميركية من خلال خطوتها الأخيرة التي تضمنت الإعلان عن استثمارات مباشرة بقيمة 15 مليار دولار لصالح تركيا، في الوقت الذي كانت أميركا تأمل أن تؤدي ضغوطها الاقتصادية على أنقرة إلى إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برونسون، الذي تتهمه تركيا بالتجسس لصالح الانقلابيين، بينما تقول أميركا أنه بريء.


أما الأزمة الاقتصادية التركية فإنها أعمق مما يظهر لنا بكثير، وبالتالي لن تجدي المليارات القطرية نفعاً، كما أن الدوحة تعرف أنها تستثمر في بيئة غير جيدة، لكن الواجب الأيديولوجي هو الذي حركها. وقد بلغت مستويات الانهيار الاقتصادي في تركيا إلى درجة أن بعض المحللين العالميين أصبحوا يتحدثون صراحة عن اقتراب زوال «النمر الأناضولي».

&