&همسة سنوسي& &&

«إلى عرفات الله يا خير زائر.. عليك سلام الله في عرفات»، جاء في تفسير القرطبي عن سبب تسمية جبل عرفة بهذا الاسم: «وقالوا في تسمية عرفة بهذا الاسم لأن الناس يتعارفون فيه، وقيل لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم فكان يريه المشاهد فيقول له: أعرفت أعرفت؟ فيقول إبراهيم عرفت عرفت. وقيل لأن آدم عليه السلام ل

«إلى عرفات الله يا خير زائر.. عليك سلام الله في عرفات»، جاء في تفسير القرطبي عن سبب تسمية جبل عرفة بهذا الاسم: «وقالوا في تسمية عرفة بهذا الاسم لأن الناس يتعارفون فيه، وقيل لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم فكان يريه المشاهد فيقول له: أعرفت أعرفت؟ فيقول إبراهيم عرفت عرفت. وقيل لأن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة هو وحواء التقيا في ذلك المكان فعرفها وعرفته».
&هذا السبب التاريخي «إن صح» لا ينبغي أن يبقى سببا مرتبطا بالتاريخ والماضي وحسب، بل لا بد أن يكون منطلقا للمستقبل، ولنبحر قليلا في عالم الرموز.
&عندما يقال «الحج عرفة» فكأن المقصد الأساسي للحج و«تيميم الشطر نحو الله وزيارة بيته»، هو «التعارف» و«المعرفة والعلم بكل أشكالها»، فالحج موسم للمعرفة والبحث وتبادل الخبرات والنتائج والمعارف والمهارات.


&وأيضا موسم للتعارف بين كل المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها على مختلف ثقافاتهم.
&«لك الدين يا رب الحجيج جمعتهم.. لبيت طهور الساح والشرفات
&أرى الناس أفواجا ومن كل بقعة.. إليك انتهوا من غربة وشتات»،
&يتجردون من ملابسهم يوحدهم زي واحد بسيط، وفي هذا رمزية للتجرد من كل مادياتهم وخبراتهم السابقة وموروثاتهم ومشاعرهم وأفكارهم المسبقة وكل شيء.. فقط يتقدمون لساحة المعرفة هذه بذاتهم، فقط، كصفحة بيضاء جديدة نقية.. فيتبادلون معارفهم وخبراتهم دون أحكام أو أفكار مسبقة!


&وفي «عرفة» يقف شامخا «جبل الرحمة».. ولإيماني أن لا شيء يأتي اعتباطيا، واستمرارا في مسيرة استقراء الرموز، فإنني أجد أن تسمية الجبل بـ«الرحمة» هي أمر منطقي جدا، ولا يمكن أن تحل مكانها تسمية أخرى.
&حيث إن شعور الرحمة هو ما يتولد في نفس الإنسان الصادق بعد أن يتواصل معرفيا مع شعوب الأرض ويتلمس حاجاتهم وأحلامهم وآلامهم عن قرب، والرحمة الحقيقية هي الشعور الذي يغمر نفس الإنسان الحقيقي بعد أن يتبادل المعرفة العلمية ويستشعر ويدرك عظمة الخالق ومقدار رحمته وحكمته في الخلق، من «يلج ساحة المعرفة» بصدق وإخلاص وتجرد، حتما سيهيئه ذلك ويقوده لصعود «جبل الرحمة»، حيث ينظر برحمة لكل من وما حوله، وهذا ما يجعله مستحقا «بإذن الله» لرحمة الله..
&في باقي رحلة الحج المباركة هذه تجد الحجيج يكملون مسيرة وموكب التعارف الإيماني في «منى».. حيث يبتدئون أيامها بنحر هديهم وأضاحيهم، وكأني بذلك أراهم وهم ينحرون كل شهواتهم وعلائقهم المادية، كل أحقادهم وضغائنهم، كل أفكارهم المهترئة، كل معوقاتهم نحو اللحاق بركب الرحمة، ويستمرون لثلاثة أيام في عملية رجم لكل ما سكن نفوسهم من أحقاد أو جهل أو ملوثات روحية.
&وقد جسد الله لهم تلك المخاوف والمعوقات عبر ثلاثة نصب ليقوموا برجمها على مدى ثلاثة أيام..


&هذا التجسيد يساعدهم على تحويل رفضهم لتلك المعوقات والمخاوف من مجرد أفكار إلى فعل مادي يقومون به ولو بشكل رمزي، وفي ذلك تدريب نفسي لهم وتفعيل لطاقاتهم الإيمانية التي تزايدت في هذا الاجتماع العظيم، بعد أن يتجردوا من علائق الدنيا، ويتعرفوا عن كثب على ذواتهم وهموم بعضهم ويتقربوا من شركائهم في هذا العالم، وبعد أن يطهروا أرواحهم من علائق الخطايا والشرور ومعوقات الرقي الروحي، يصبحون لائقين بالطواف حول بيت الله كبشر نورانيين حاملين لشعلة الخير والسلام والرحمة. هذه هي بعض رؤيتي للحج ورمزياته، الحج ليس طقوسا بلا معنى، بل هو رحلة تحمل رموزا كثيرة عميقة المعاني، جديرة بتغيير وتطهير ذواتنا لو وعينا لها، لذا يقول حبيبي وسيدي رسول الله في الحديث المتفق عليه «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
&اللهم تقبل ممن حج بيتك قاصدا رضاك ورحمتك، نائيا بنفسه عن كل ما يحول، وهذا الرضا والرحمة من ظلم لنفسه وغيره.. تقبل منهم وردهم لأهلهم مشكورين مغفورا لهم.. وارزقنا حجة مقبولة وجوار نبيك في فردوسك، وكل عام ونحن وأنتم بكل خير ورحمة وسلام.. وكل عام ونحن وأنتم لله أقرب.
&

&