&&عبدالله بشارة

&

رافق تاريخ الكويت وساهم في مساره وبدور جوهري، طرفان متواجدان منذ عهد بعيد، المملكة العربية السعودية، وقد نوهت في مقال نشر في يوم 10 يونيو الماضي تحت عنوان «الأمير السفير ونحن والمملكة» بالمقام السعودي في أمن الكويت وسلامتها وحماية هويتها، والطرف الآخر ارتبط بالكويت في تفاهم للحفاظ على سلامة الممرات البحرية في الخليج، ووقعه الشيخ صباح بن جابر عام 1841 ـــــ الحاكم الرابع ــــ والهدف وقف القرصنة التي كانت تهدد السفن البريطانية والكويتية وكان موقعها من شرق البحرين إلى مضيق هرمز، وترجم الشيخ مبارك الصباح (الحاكم السابع) الاستراتيجية النابعة من مخاوفه من محيط الجيران باتفاق الحماية في يناير 1899، وأراده سرّياً كي لا يثير الدولة العثمانية ولا مشاعر الملتزمين بالترابط معها بين أطياف الشعب الكويتي، وتولت بريطانيا حماية الكويت منذ ذلك التاريخ، وأغلقت ممرات المناورات العثمانية للتواجد داخل الكويت، وعطلت توسعات الاخوان في العشرينات من القرن الماضي، وأقنعت الدولة العثمانية بالاعتراف بالكيان الكويتي المستقل عبر التفاهمات بين الطرفين، تمثل في الاتفاق الانجلو-عثماني عام 1913، مع ضمان بريطانيا بحماية حدود الكويت بدائرتها الخضراء.


تطورت العلاقات ووقع الشيخ أحمد الجابر على تعاون نفطي عام 1936، مع شركة نفط الكويت البريطانية ــــ الأميركية، غير أن استغلال النفط تعطل بسبب الحرب العالمية الثانية، وتجدد التنقيب عام 1946 وتم تصدير أول شحنة عبر باخرة في 30 يونيو 1946 من ميناء الكويت.
وفي ظل الحماية برزت حيوية الكويت وتوسعت علاقاتها العربية والأجنبية، وأكملت بناء الأجهزة، الأمر الذي أقنع الشيخ عبدالله السالم بالتفاهم مع بريطانيا على الاستقلال في سبتمبر 1961، واعتراض رئيس وزراء العراق مع ادعاءاته بالكويت، وأدى ذلك إلى انسجام بين الرياض ولندن للدفاع عن الكويت.
ومع تصعيد التهديد العراقي، استعان الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت ــــ الحاكم الحادي عشر ــــ بالقوة البريطانية التي تم استبدالها بقوة عربية رمزية سياسية أكبرها القوة السعودية، وتبدل الوضع في العراق مع توجه نحو التطبيع بين الكويت والعراق.


تظل الكويت دولة جاذبة في ثروتها مغرية لصغرها وأليفة بجغرافيتها، وسهلة الابتلاع لتضاريسها لانعدام المعوقات الطبيعية فيها، ويهمها أن تبحث عن رادع مؤازر، أدركت ضروراته مع الغزو الصدامي عام 1990، الذي استفز العالم وحرك الهبة العالمية الجماعية لتحريرها ورسخ التفاهم السعودي ــــ البريطاني التاريخي، الذي استعان بالقوى الرادعة الأميركية، واستند على توافق سياسي خليجي ــــ مصري ــــ سوري.
قفزت العلاقات الكويتية ــــ البريطانية إلى حوض آخر من التعاون الاستراتيجي الذي أعاد مفاهيم الحماية التي تفجرت جذورها مع اتفاق 1899، واتسعت الأبواب إلى ترابط جماعي يحتوي على كل الممرات المؤدية إلى مسارات الحياة، من دفاع وسياسة وتبادل أمني، وثقافة واقتصاد واستثمار، مع زيادة في تواجد الجالية البريطانية وارتفاع الاستثمار الكويتي داخل بريطانيا من الدولة ومن الأهالي الذين وجدوا في لندن الأمن المنشود والسوق المتنوع والخيارات المناسبة، مع تسهيلات في اجراءات الدخول.
وتمشياً مع هذه الحقائق، تشكّلت لجان مختلفة لتعميق التعاون والربط بين البلدين في منظومة تتواجد فيها كل الأجهزة الحكومية، مع علو سقف المسؤوليات في المجال الشعبي، حيث تتواصل مجموعة من المهتمين السياسيين والمختصين البريطانيين، تلتقي دائماً وتجري مسحاً عاماً للعلاقات بين البلدين مع بحث عن وسائل التطوير وتعزيز الشراكة الاستراتيجية التي برزت منذ الغزو، كهيئة تدير مسار هذه الشراكة.
ولم نتوان نحن في جمعية الصداقة الكويتية ــــ البريطانية عن المواكبة في التماثل مع المستجدات في العلاقة بين البلدين، ونتحرّك، كمجموعة أهلية تعبر عن النفس الشعبي في الحرص على تواجد بريطانيا في الحياة الكويتية، ونتمنى أن يتجسّد هذا الحرص في رمزية من سلاح الطيران البريطانية ترفع العلم البريطاني من منصة كويتية لترسل رسالة واضحة ومفهومة ورادعة في الحفاظ على أمن الكويت واستقلالها وسلامة مستقبلها.


كان الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، في لندن في الأسبوع الأول من يوليو 2018، حيث ترأس الجانب الكويتي في المجموعة الاستراتيجية بحضور وزير خارجية بريطانيا السيد جونسون، العارف بالبيئة الكويتية السياسية والاقتصادية والمشارك الايجابي في بلورة مواقع متجددة لتقوية لحمة الترابط بين البلدين.
هناك تفهّم من كل طرف لظروف الآخر، فمن المستحيل أن تتطابق المواقف الدبلوماسية في كل الجوانب والمهم أن تكون توقّعات كل منهما في إطار الممكن.


أسمع كثيراً عن تذمّر كويتي من بطء بريطانيا في إعادة مواطنين مطلوبين في قضايا مالية، ونعترف بأن هناك قوانين لا يمكن كسرها من أجل خواطرنا، فيها تشدّد على اتباع الاجراءات القضائية وحرص على عدالة التصرّف، ومن جانبنا لا يمكن للتشريعات في الكويت أن تلتقي مع تمنيات المواطن البريطاني، لكن المهم هو التلاقي في منظومة القيم العالية في كرامة الانسان وحريته وفي سلامة المجتمع المنفتح وانسجامه مع الشروط الحضارية لأي مجتمع، ومن أهم معالمها التواصل السلمي بين الشعوب وتبادلية الاحترام بين الأنظمة والايمان بالتعايش بين المجتمعات وهذه منطلقات انسانية تؤمن آدمية الاسنان وكرامته.
ورغم هذه المثل العالية، فالعالم لا يخلو من المتربّصين، وواجبنا ادراك واقع الكويت وحاجتها الدائمة لرادع يعزز ما لديها، لا سيما في المنطقة المشحونة بمسببات التوتر والاضطراب.

&