&سطام المقرن& &

أتباع الإسلام السياسي دائماً ما يتحركون في مواجهة الأحداث السياسية والاقتصادية من موقع إيديولوجي محض بعيد عن التفكير الواقعي والعقلاني، فيسعون إلى إشعال نار الفتن والحروب وصنع أعداء وهميين

مع دخول الاقتصاد التركي مرحلة الخطر، وتسارع انهيار الليرة أمام الدولار الأميركي، صرخت قيادات إخوانية من أتباع الإسلام السياسي تدعو إلى دعم الليرة التركية، وأن ذلك واجب ديني على كل المسلمين، فإذا نجحت تركيا سيعيش المسلمين في أمان، ويقول أحدهم ما نصه «يجب على المسلمين خارج تركيا شراء البضائع والمنتجات التركية لدعم الشركات التركية المملوكة للمسلمين، وشراء الملابس التركية، كما أنه يجب السفر على الخطوط التركية واعتبار ذلك جهادا في سبيل الله لبناء بلد مسلم وجيش مسلم ألا وهو جيش تركيا»!.


والدعاية السابقة للإخوان تزعم أن تركيا تتعرض لمؤامرة نصرانية ويهودية بسبب موقف تركيا المدافع عن الإسلام والمسلمين في كل مكان من العالم، ويعزز هذه الدعاية الحكومة التركية والقول بأن هناك قوى أجنبية ومؤامرة عالمية في استهداف اقتصاد تركيا، وعلى هذا الأساس أصبح التعامل مع قضية انهيار العملة التركية من موقع الحساسية الدينية وممارسة تغطية لا شعورية على التشوهات الاقتصادية التي تمر بها تركيا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، وأصبح البعض يردد لا شعورياً أن أسباب ما يمر به العالم الإسلامي من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية بسبب مؤامرة غربية وصهيونية تريد القضاء على الإسلام والمسلمين.
إن ما تمر به تركيا من أزمة سياسية واقتصادية لا علاقة لها بالدين أو بمؤامرة عالمية تستهدف الإسلام والمسلمين، وإنما بسبب عوامل سياسية واقتصادية بحتة ناتجة عن الانقلاب الفاشل، والذي نتج عنه عملية تطهير للدولة ممّن يسمون أعضاء أو متعاطفون مع جماعة فتح الله غولن، فضلاً عن تبني الخيار العسكري في مواجهة حزب العمال الكردستاني، كما أن تغيير التركيبة السياسية داخل تركيا نتج عنه وجود معارضة شديدة من الداخل والخارج بالنسبة للحزب الحاكم أدت إلى وجود قرارات سياسية أثرت في علاقات تركيا مع الدول الأخرى وخاصة الدول الأوروبية.
العوامل السياسية السابقة أثرت أيضاً على اهتزاز الثقة في الاقتصاد التركي بالإضافة إلى التدخل المباشر في السياسة النقدية التي يضعها البنك المركزي وارتفاع الديون والعجز التجاري والتضخم وخروج المستثمرين جميعها عوامل ساهمت في انهيار العملة التركية مع عوامل سياسية ساهمت في صنع القرارات داخل تركيا.


وبناءً على ما سبق، فإن استخدام الشعارات الدينية في تبرير الأزمة الاقتصادية ما هو إلا أداة للتغطية على فشل القرارات السياسية والاقتصادية، وأداة لتعزيز شعبية الحزب داخلياً وخارجياً وكسب أصوات الناخبين والدفاع عن أنظمة معينة ومقاومة للضغوطات الدولية، ودخول أتباع الإسلام السياسي في خط الدفاع عن السياسات التركية تحت غطاء الدفاع عن الإسلام والمسلمين ما هو إلا دفاع عن مصالح الإخوان المسلمين والذين انتهوا كمشروع سياسي حيث يعتبرون تركيا الآن المحطة الأخيرة لهم.
يعمل أتباع الإسلام السياسي على تشويه الرؤية الصحيحة للواقع السياسي والاقتصادي من خلال تغطية العقل والبصيرة، والقيام بدور كبير في قلب الحقائق، وذلك من أجل حفظ مكانتهم في قلوب الناس وحفظ الامتيازات السياسية التي اكتسبوها من خلال الضرب على وتر الدين والتهويل من خطر الغرب وأفكاره الشيطانية، ونتيجة لهذه الحالة من الانفصال عن الواقع أصبح هناك رؤية ضيقة للأحداث السياسية والاقتصادية التي تحدث في العالم كما رأينا آنفاً في قضية انهيار الليرة التركية.


فأتباع الإسلام السياسي دائماً ما يتحركون في مواجهة الأحداث السياسية والاقتصادية من موقع إيديولوجي محض بعيد عن التفكير الواقعي والعقلاني، فيسعون إلى إشعال نار الفتن والحروب وصنع أعداء وهميين وهذا ما رأيناه في قضية تركيا وقولهم بوجود مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وعملائها من الخونة واليهود، لأنهم كفار تجب محاربتهم كما تقول النصوص الدينية، وهم يخاطبون العاطفة الدينية في الناس لإثارة مشاعرهم وجعل عقولهم في حالة توجس وخوف دائم على الدين والمقدسات.
وبالفعل استطاع أتباع الإسلام السياسي طبع الصورة الذهنية السابقة في وعي عوام الناس، فتجد المسلم إذا أصيب بضائقة مالية أو شاهد مظاهر الفقر في بعض الدول الإسلامية، تذكر أن المسلمين لم يجدوا من يأخذ الزكاة في عصر الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وإذا شاهد مظاهر الضعف والتخلف والجهل تذكر عصر الفتوحات الإسلامية والنهضة العلمية أيام الخلافة الإسلامية، وإذا شاهد مظاهر الظلم والاستبداد تذكر كيف كان الخلفاء والأئمة يقيمون العدل وينصفون المظلومين، وأتباع الإسلام السياسي اليوم يتغنون بأمجاد الخلافة العثمانية وحروبها مع أوروبا وكيف كان النصر والعزة للإسلام والمسلمين في تعاملهم مع القضايا السياسية والاقتصادية لتركيا.


إن المهم لدى أتباع الإسلام السياسي ليس مصالح المسلمين من رفاه وتقدم علمي وحضاري وتقني وإنما في المقام الأول مصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم السياسية، حتى وإن كانت على حساب الأخلاق والقيم الإنسانية.. ولحل هذه الإشكالية وعلاج هذا المرض المزمن فإن الأمر يرتبط بعلاج طبيعة التفكير الذي هيمن على المجتمعات الإسلامية والعربية قروناً طويلة.

&