&سمير عطا الله

&&&يقول الطبيب الذي كان يعالج والدة هتلر، عندما توفيت وهو في الثامنة عشرة، إنه خلال أربعين عاماً من العمل، لم يشهد حزناً كالذي رآه في هتلر على فقدان عزيز. كان الشاب النمساوي قد فقد والده قبل ذلك وهو في الثالثة عشرة. وبدأ حياة في الفقر، ثم رُفض طلبه مرتين للانضمام إلى كلية الفنون. وأمضى فترة يقطن في مأوى للذين دون مسكن، خلف محطة قطار. وقال رفيقه في الغرفة إنه كان قد أمضى أياماً طويلة هائماً في الشوارع.


راح يعمل أعمالاً متقطعة في رسم بطاقات البريد وتصاميم الإعلانات. كما كان يداوم في المكتبات العامة، يقرأ الصحف والكتب، ومنها «ألف ليلة وليلة». رفض الجيش النمساوي قبوله بسبب ضعفه، لكنه هرب عبر الحدود إلى ألمانيا، حيث تطوع في ميونيخ العام 1914. وعندما انتهت الحرب، كان لا يزال برتبة جندي، لكن مجرى حياته سوف يتغير بعد هزيمة ألمانيا، إذ ينتقل من اليسار إلى اليمين، حيث يشتهر بإثارة القلاقل. ومن بعدها، يساهم في تأسيس الحزب النازي مع بعض المهاجرين الروس المعادين للسامية. وفيما كان ستالين قد أصبح زعيم أكبر دولة في العالم، كان هتلر العام 1923 في أحد سجون ميونيخ بتهمة الإعداد للعصيان.
في الأسبوعين الأولين لوجوده في السجن، أضرب هتلر عن الطعام، غير أن رسائل الإعجاب بدأت تنهال عليه. وكان حارس السجن رودلف هس، الذي سيصبح أحد جنرالاته، كما يروي ستيفن كوتكين في «فورين أفيرز». وفي السجن، أملى كتابه «كفاحي» على هس، واعداً بأن يخلص ألمانيا من اليهود، و«أن يدمر الماركسية».


خرج من السجن بعد 13 شهراً، فوجد أن كتابه لم يلقَ كثيراً من النجاح. ثم وضع كتابين آخرين، لكنه لم يوفق بناشر يقبلهما. لكن ما لبث الرسام الفاشل، والجندي العادي، والرجل القادم من النمسا، أن أصبح أهم سياسي في ألمانيا. بعكس ستالين الهادئ والمحب للانزواء، تمتع هتلر بسحر الخطابة، وأشعل الحماس في الألمان، وفجر الحرب العالمية الثانية، عازماً على احتلال فرنسا، وتدمير بريطانيا، وتحويل روسيا الشاسعة إلى مزرعة تؤمن الغذاء للجيش الآري المتفوق على سائر البشر.


في الوقت الذي كان يقود أوروبا، ويقحم ألمانيا في أكبر زلزال بشري، كان غاندي يقنع 300 مليون هندي بأن الانتصار هو للاعنف، والديمومة للسلام. مثل ستالين، تسبب في مقتل شعبه أكثر بكثير من أعدائه، وظل يدفع بفتيان ألمانيا إلى الموت، فيما هو في حضن فولاذي تحت الأرض.. وأخيراً انتحر.
إلى اللقاء..