سمير عطا الله 

وقعتُ مرة في هفوة غير مقصودة على الإطلاق عندما كتبت أترحم على أيام حسنين هيكل وبهاء الدين في رئاسة تحرير «الأهرام»، ولم يكن في بالي مطلقاً أيضاً، التقليل من قيمة رئيسها آنذاك، إبراهيم نافع. وأدركتُ مدى هفوتي عندما رد عليَّ الأستاذ نافع في مقال افتتاحي، يتهمني فيه بأنني جزء من مؤامرة على «الأهرام» تدبرها شركة إعلانات لبنانية. وشعرت من رده، ومن موقع الرد، أن الرجل قد أُهين في قلمه، فكتبت معتذراً.
بعد سنوات كنت أوقِّع كتابي «انقضاء الشرق» في المنتدى الإعلامي في دبي عندما رأيت في الصف أنجح عربي في اقتصاد الصحف. تأثرت مرتين: الأولى، أن أرى إبراهيم نافع مقيماً خارج مصر بعد محاكمات «ميدان التحرير»، والثانية، أن يقوم بتلك المبادرة حيالي. وشعرت أن أقل واجب عليَّ هو أن أكتب مناشداً الدولة المصرية استعادة إبراهيم نافع الذي حوّل «الأهرام» من صحيفة كبرى إلى إمبراطورية صحافية لا سابق لها في العالم العربي.
لم يكن لإبراهيم نافع قلم هيكل أو بهاء، لكنه كان طاقة إدارية بلا حدود، وكانت له مقدرة فائقة على ضبط التوازنات بين الجريدة القومية والعمل الصحافي. وقد تعامل مع «الأهرام» كأنها صحيفته، ولكن من أجل رفع مستوى الصحافيين والعناية بهم وتسخير الكثير من أرباح الجريدة لحل مشكلاتهم الحياتية.
في ذلك، تميّز كثيراً عن هيكل وعن بهاء. فالأول كان منهمكاً في السياسات العليا، وبهاء كان نخبوياً مأخوذاً بالهمّ الثقافي، ولا يميل إلى المغامرة في التوسع. أما هو، فقد عرف كيف يستغل اسم «الأهرام» وهالتها لتوسيع مداخيلها التجارية الجانبية في الطباعة والنشر وسواها.
كان الراحل أحد ضحايا البلبلة التي غرقت فيها مصر بعد 25 يناير (كانون الثاني). ثورة فقدت بوصلتها منذ البداية، وأحدثت من الفوضى والخسائر أكثر مما أدت إلى الإنتاج: استهدفت تدلل جمال مبارك، فظلمت حسنات حسني مبارك. بدأها المستقلون، فخطفها «الإخوان». أعلنت «الحياد» فشاهدت هيلاري كلينتون تتنزّه في ميدان التحرير وخلفها في الصورة باراك أوباما، ومعه نظرية «الإخوان» هم البديل.
إبراهيم نافع كان رمزاً من رموز العمل المؤسساتي. كان يعرف كيف يحافظ على المؤسسة، وكيف يطورها من دون أن يغيّرها، وكان يخاف على مصر من مغامرة تعتقد أنها ثورة.