بكر عويضة 

كما هو معروف ومتداول، يُعطى كل عام يرحل من التوصيف ما يُذكّر الناس بأبرز ما مر خلاله من جِسام الأحداث. تختلف صفات الأعوام وتتباين وفق اختلاف اهتمامات الأقوام. لذا، من المفهوم أن الأكثر أهمية عند قوم سيحتل مرتبة أقل لدى غيرهم. هنا، في بريطانيا، وأغلب مجتمعات الغرب، الأرجح أن يحمل عام 2017 صفة العام الذي شهد انتفاضة المرأة وإنصافها.

البعض ذهب أبعد، فرأى فيما حصل ثورة غضب نسائية حطمت جدران صمت رهيب. من منظور المتابع الوافد إلى هذه الديار، والمقيم فيها كمهاجر، يمكنني القول إن جُدر الصمت تلك كانت تخفي وراءها مآسي يصعب تصوّرها في بلدان يُفترض أنها تجاوزت عُقد الكبت الجنسي، وما تخلّف من آثار تشوِه كل بشرٍ يعاني تبعاتها. إنما اتضح، بعدما أزيح الستار، أن كثيرَ «ماكياج» كان يجمّل قبح أشياء كثيرة تجرى في الخفاء. ولئن وجب توجيه شكر لمَن يُتهم بارتكاب جرمٍ ما يثير ردود فعل غاضبة على نطاق عالمي، مثلما حصل، يجوز القول إن المنتج هارفي وانستين يستحق الفوز بـ«أوسكار» مُرفق باشمئزاز تجاه ما واجهه من سيل اتهامات تحرشٍ بفنانات لكل منهن مكانتها المرموقة.
لم تكن أليسا ميلانو، الممثلة الأميركية، تدري حين أوت إلى النوم، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعدما غردت بهاشتاغ «أنا أيضاً»، أنها أشعلت شرارة تلك الانتفاضة. لقد استيقظت لتكتشف أن أكثر من ثلاثين ألف امرأة تجاوبن مع تغريدتها. السيدة ميلانو ليست أول من أطلق الهاشتاغ، بل يرجع الفضل للسيدة تارانا بيرك (Tarana Burke) الناشطة الأميركية في مجال الدفاع عن حقوق ضحايا العنف الجنسي، وهي كانت من اخترع فكرة «Me Too» وأطلقتها عام 2006 في شكل هاشتاغ بغرض تشجيع الصامتات بين المُعتدى عليهن كي يبحن بما تعرضن له، لأن في ذلك ما يعين على التصدي لذلك العنف. لكن للممثلة ميلانو فضل التغريد بالهاشتاغ ذاته في حمأة ما انهمر من تفاصيل عن سلوك واينستين، وآخرين غيره، مع نساء كثر، سواء في مجال السينما أو خارجه. المفاجأة - الصدمة تمثلت في انهمار قصص الاعتداء والتحرش من مختلف بقاع الأرض.
صفعة عهد التميمي لوجه جندي إسرائيلي تمثل هي أيضاً أحد أوجه انتفاضة المرأة ضد الغطرسة. صحيح أن الحالة هنا غير معنية بتحرش ذكوري ضد أنثى، وإنما بالتصدي لتغطرس احتلالي، إزاء التعامل مع غضب فلسطيني فجّره قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن القدس، وصحيح أن تصدي نساء فلسطين للصلف الإسرائيلي قائم منذ عشرات السنين، وكذلك انخراطهن في صفوف المقاومة، وهو ما أوصلهن إلى زنازين الأسر، أو شرف الشهادة، لكن جسارة الشابة عهد بدت تحدياً من نوع مختلف. لقد أظهرت مدى صلابة اليد اللينة عندما تضع الخوف جانباً. وإذا جاز لي أن أستعير الصورة، فإن بالوسع تعميمها، أو إهدائها، إنْ شئتم، لكل ذكورية تغطرست، عبر أزمان التاريخ والقرون، بوهم ظنٍ مخادعٍ صوّر لصاحبه أن ضعف بنية الأنثى، في حد ذاته، يجيز لأي رجل، أنّى شاء ومتى أراد، استغلال ذلك الضعف في أي مجال، داخل البيت أو خارجه، بمقر وظيفة أو دار عمل، ثم بلا أي وزن لأحاسيسها، أو فهم لموقفها، أو تقدير لظروفها، وربما تجتمع هذه كلها معاً.
الحق أنه ليس مقبولاً التقليل من قيمة المرأة، كإنسان، تحت أي ظرف، وأياً كان المبرر. وفي هذا السياق، واضح أن عام 2017 شهد أيضاً أكثر من حالة إنصاف للمرأة في العالم العربي. بين أبرز تلك الحالات قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إعطاء المرأة في المملكة العربية السعودية حق قيادة السيارة. معروف لكل مراقب للتعامل الغربي مع الشأن السعودي كم استغل حظر قيادة السيارة من قِبل كثيرين تعمدوا دائماً تجاهل ما تحقق لنساء السعودية، وما حققن، في مجالات عدة، داخل المجتمع السعودي وعلى صعيد دولي، بقصد التشويه.
يبقى أن العام الراحل سوف يدخل سجلات غيره من أعوام سبقته بكل ما شهده من خضات في غير مجال، لكنه سيحمل معه، بشكل خاص، بصمات الانتفاضة على الصمت إزاء التحرش الجنسي بالمرأة، وأيضاً خطوات مهمة على صعيد إنصاف حقوق النساء في مجتمعات عدة.