سلمان الدوسري

أسبوع من الاحتجاجات في إيران، والأسئلة أكثر من الإجابات. لا قيادة مركزية لمظاهرات تزداد حدتها يوماً تلو الآخر. لا جهة تتبناها. أفرادها مواطنون عاديون ليسوا محسوبين على أي من التيارات. شرائح اجتماعية لم تكن محوراً للتغيير السياسي أبداً. اندلعت المظاهرات استياءً من الأوضاع الاقتصادية،

غير أنها سريعاً ما تحولت للتعبير عن الاستياء من السياسة الخارجية ومن النظام نفسه. جميع القوى داخل إيران لا تزال لم تستوعب الصدمة. الرئيس حسن روحاني ترك وحيداً في مواجهتها. مرتبك في كيفية التعاطي معها. تلتزم حكومته الصمت تارة وتغازل المحتجين تارة أخرى، في الوقت الذي تعاملت فيه السلطات مع احتجاجات الثورة الخضراء 2009 بكل حزم. ومما يدلل على ارتباك الرئيس الإيراني السيناريو الذي طرحه إسحاق جهانجيري، نائب روحاني، عندما قال إن «الذين أثاروا هذه التحركات السياسية في الشوارع قد لا يكونون هم من سيضع حداً لها، إذ قد يركب غيرهم الموجة التي بدأوها، ويجب عليهم أن يعلموا أن فعلهم سينقلب عليهم»، وهو هنا يشير إلى ما يسمى «المتشددون» وأنهم خلف تحريك هذه الحركة الاحتجاجية، ولا شك أن أكثر المتضررين سيكون الرئيس روحاني، كما أن من غير المستبعد أن يضعه المرشد الأعلى كماشة للخروج من مأزق الاحتجاجات التي تنتشر في البلاد.
الاستراتيجية الوحيدة التي تعتمدها الحكومة الإيرانية لإيقاف المظاهرات هي محاصرتها وانتظار خفوتها ومن ثم انتهاؤها من تلقاء نفسها، لذلك لا نلحظ أي تصعيد رسمي في اللهجة تجاهها كما حدث في الثورة الخضراء، مكتفين بمواجهة الشرطة لها، دون دخول النظام وكأنه طرف ضد المتظاهرين، وهو ما وضح جلياً في مهادنة روحاني لهم، باعتبار ألا أحد يعرف من الجهة التي ستتم مواجهتها، وكذلك كون روحاني على فوهة المدفع وحده في مواجهة المظاهرات. يمكن القول إن خيار انتظار «موت» المظاهرات من ذات نفسها، لا يعدو كونه احتمالاً يراهن عليه الرئيس، ويتفرج عليه المرشد، فقد ينجح وتخفت المظاهرات من تلقاء نفسها، وقد تتواصل بشكل دراماتيكي، وهو الأمر الذي يخرج الأمور عن السيطرة بعيداً عن استراتيجية محاصرتها، أو انتهاء الاحتجاجات «خلال أيام»، كما تمنى روحاني أمس.
لا بد من الإشارة هنا إلى أنه يصعب تسمية الاحتجاجات ثورة شعبية ستتسبب بإسقاط النظام، الأهم في تقديري هو حجم الضرر الذي تتسبب به هذه المظاهرات على بنية النظام، وكيف كشفت للشارع الإيراني حجم الغضب من سياساته. بالطبع لا يمكن توقع أن تغير الحكومة بسهولة استراتيجيتها في تصدير الثورة، أو تتوقف سريعاً عن تدخلاتها ومغامراتها، لأن ذلك ليس خيارها بقدر ما هو جزء من عقيدة النظام، غير أن كل خطوة خارجية مستقبلية تقدم عليها السلطات، مع استمرار سوء الأوضاع الاقتصادية، ستجد معها احتجاجات مماثلة وربما أشد وطأة، وهو ما سيجعل النظام تحت ضغط كبير لم يكن يتعرض له في السابق، خصوصاً وهو يصور، للداخل والخارج، الإيرانيين جميعهم يدعمون تدخلاته الخارجية ومعاركه في دول الإقليم.
أسبوع من الاحتجاجات الشعبية العارمة، كان كافياً لأن يكون أقوى تهديد من الشارع الإيراني لنظامه، وأشد رسالة احتجاج شعبية على سلوكياته العدوانية الخاسرة، وحتى وإن كان روحاني أكثر المتضررين، فإن باب الرفض الشعبي لسياسات النظام قد فتح، وسيكون من الصعب إغلاقه دون دفع تكلفة باهظة.