سعيد الحمد

أهداني صديق كريم نسخة من العدد الأول لمجلة العربي الكويتية التي صدرت عام 1958م وستكمل الستين عامًا من عمرها المديد بعد بضعة أشهر.

ومن جيلنا لم يقرأ العربي ولم يحرص على اقتنائها كل شهر، كانت جزءًا من ثقافتنا وقتذاك، ورأس تحريرها الدكتور العالم الجليل أحمد زكي رحمه الله لسنواتٍ طويلة وكان يكتب افتتاحيتها الشهرية، وبرز في ذاكرتنا الاولى المرحوم سليم زبال الذي كان يجري الاستطلاعات الشهرية يعرض فيها كل عددٍ معلوماتٍ قيمّة وصورًا نادرة «الآن» عن كل بلدٍ في كل عدد أو كل شهر.

تعرفنا من خلال تلك الاستطلاعات على عددٍ من العواصم والبلدان في وقت صعب الاتصال والتواصل نادر الوسائل الاعلامية بمثل انتشارها الآن.

والجميل بالنسبة لنا نحن البحرينيين ان أول عدد صدر من العربي تصدر استطلاعه الاول استطلاع لطيف عن البحرين ماضيًا وحاضرًا، صار الآن ماضٍيا، فقد مضت عليه ستون سنة قطعت فيها بلادنا أشواطًا من التقدم التنموي والحضاري ليس بالسهل، فهو شوط تقدم لا يمكن قياسه بما كان عليه الوضع قبل سنة عقود ونيّف.

تصفحت العدد الأول من العربي وعادت بي الذاكرة إلى مطلع ستينات نهاية القرن الماضي، ورأيت تلميذ المرحلة الابتدائية وهو يتصفح العربي وقتها حيث منزلنا القديم في المحرق العريقة، وحيث أقطع وقت الظهيرة قارئًا فيها ما يناسب سني ووعي حينها.

سليم زبال الصحفي وأوسكار المصّور استطاعا ان يقدما استطلاعًا وافيًا حسب امكانيات ذلك الزمن، وتوقف الصحفي الراحل سليم زبال امام تسمية البحرين باسمها هذا، وقد رجح حسب اجتهاده ان ذلك يعود إلى خصوصية بحر البحرين الذي يمتزج فيه الماء المالح «البحر» والماء العذب يخرج ينابيع متدفقة بقوة من وسط البحر المحيط به، فكانت البحرين «بحرين» مالح وعذب.

ولان البحرين كانت ومازالت تمتلك خصوصية شعبيتها القديمة فقد شدّت اسواقها الشعبية الصحفي القادم من الشام وتجوّل مع المصور أوسكار والتقطا الصور النادرة من تلك الاسواق التي مازالت تشد إليها الزائرين والسياح من الدول الشقيقة والصديقة.

كما زار الصحفي المحرق وحضر مدعوًا حفلة زفاف صادف احياؤها اثناء زيارته فدعاه «كما اتوقع المعرس» لحضور حفلة زفافه، ونشر صورة للحفل بسيطة، والمفارقة اللطيفة ان اكتشف الآن ان «العريس» هو أخونا الكبير بوطارق «خليل المريخي» أطال الله في عمره.

وبطبيعة الحال ونظرًا لانتشار العربي الواسع فقد اصدرت ملحقًا «العربي الصغير» الذي قرأنا منه قصصًا لطيفة وتابعناه بحكم السن يومها.

وبطبيعة الحال أيضًا ان يكون انتشار «العربي» الآن أقل بكثير من انتشارها في ذلك العهد القديم، فقد دخلت على خطوط النشر والاعلام والميديا ووسائل منافسة لا عد لها ولا حصر.

لكن ستبقى العربي في اعدادها القديمة جزءًا من ذاكرتنا ومن زمن جميل، وان كان صعبًا قاسيًا، وسنظل حين نعثر على عددٍ قديم منها نستعيد شيئًا من زمن لا يُستعاد ومن وطرٍ مضى وانقضى.

ولعلنا كما ذكرت مرارًا جيل محظوظ ان عشنا «أزمانًا» في زمن واحد امتد به العمر فتنوع جيلنا كما تنوّع زماننا بكل جديد، ترددنا في تجريبه في البداية ثم وجدنا أنفسنا جزءًا منه لا ينفصل، نشتغل عليه كما يشتغل احفادنا، وان كانوا ابرع منا في اشتغالهم، وكم استعنا واستنجدنا بهم لاسعافنا ومساعدتنا مع اجهزة مازالت تتعقد ومازلنا نحاول.