خالد عزب

أي ثورة أيديولوجية يتراجع وقود ها بمرور الوقت لتأخذ بعداً يتعامل مع الواقع. لكن إيران تظل حالة خاصة، إذ أدت حربها مع العراق إلى تكتل وطني خلف شعارات الثورة، ثم جاء الحصار الاقتصادي الغربي ليزيد من تماسك الجماهير خلف الثورة وأهدافها. ومن هنا تأخر التعاطي الواقعي في ظل صراع مكتوم، حتى مع تآكل واضح لجيل الثورة الإسلامية، وتغير المعطيات على الساحة، وتفاقم التنازع بين أجنحة النظام. فجيل الإصلاح المنفتح نسبياً على الخارج والذي عبّر عنه محمد خاتمي، تراجع مع مقولات محمود أحمدي نجاد حول الإصلاح مِن داخل أيديولوجيا الثورة الإيرانية.

لذا فإن نجاد، على رغم غيابه عن سدة الرئاسة، يمثل حالة زخم ويعبر عن قدرات المرشد العام أحمد خامنئي. فالشعبويه الدينية تغلبت على النخبة في صورة نجاد الذي عاش في أزقة جنوب طهران بعد نزوحه مع أسرته من مدينة كرمسار الفقيرة، واحتكاكه بالفقراء جعله يحولهم إلى طاقة تخدم سياسته. اعتمد نجاد على سرعة الحركة مع سرعة التطورات، واستعان بمن يثق في قدراتهم على الإنجاز. لكن حسن روحاني يمثل الإصلاحيين التقليديين الذين يستمدون نفوذهم من رأس الدولة الدينية مباشرة. عموماً المستقبل سيكون مختلفاً في إيران، إذ إن طول أمد الحروب والصراعات التي خاضتها منذ بداية ثمانينات القرن العشرين، أدى إلى رفض الأجيال الجديدة فكرة نشر النفوذ المذهبي أو السياسي، من دون عائد إيجابي على مستوى المعيشة.

لذا هناك صراع لن يكون بين الإصلاحيين التقليديين الذين يعدون امتداداً لرفسنجاني أو خاتمي، أو إصلاحيي الداخل بزعامة أحمدي نجاد، لكن بين هذين الجناحين وأجنحة جديدة، ستتجلى ربما بحرب شوارع. هنا تبدو الأقليات العرقية والمذهبية المهمشة، مثل العرب والترك والأذريين والكرد والبلوش، أمام فرص إما للانفصال أو الحصول على حكم ذاتي، في ظل صراع داخلي بين الشيعة والسنة لطالما حرصت طهران على وأده في السابق.

هل يعني هذا أن إيران ستتخلى عن سياسة تصدير الثورة؟ في حقيقة الأمر تعد إيران تنشيط المذهب الاثنى عشرة أداة لامتداد نفوذها السياسي، لذا فإنها لو تخلّت مرحلياً عن دعم نشر هذا المذهب، فإن ذلك سيرتبط بمدى قوة نظام ولاية الفقيه، فضلاً عن انتقال البلد من مرحلة الثورة الأيديولوجية إلى مرحلة الواقعية السياسية. لذا يتوقع أن نشهد تقزم إيران مرة أخرى إلى دولة مهمة لها حساباتها في المنطقة بدل أن تكون لاعباً رئيسياً، خاصة أنه يُنتطر حصول في تغير تركيبة الحكم سواء بتراجع أو اختفاء سلطة ولاية الفقيه. وتلك ستكون بداية استعادة العرب السنة في العراق دورهم السياسي بما يعيد توازناً مع الشيعة بات مفقوداً في السنوات الأخيرة، ثم إنهاء حربي اليمن وسورية وصعود قوى عربية تحدث توازناً إقليمياً.

ويلاحظ أن الضغوط الاقتصادية في الداخل الإيراني تمثل تحدياً لنظام الحكم في إيران. فأمل الإيرانيين بتحسن الأوضاع بعد الاتفاق النووي تراجع بشدة مع تصاعد البطالة في أوساط الشباب إلى نسب غير مسبوقة، فضلاً عن الحاجة الماسة الآن إلى إعادة التوازن بعد أن طغت موازنة الطموحات الإقليمية على حساب موازنة التنمية.


* كاتب مصري