الاحتجاجات الشعبية نتيجة لسياسة الحروب الكارثية مع دول الجوار

تخضع الأقليات في إيران لقوانين وممارسات تمييزية، بما في ذلك تقييد الوصول إلى المرافق الأساسية مثل الأراضي، والسكن، والمياه والصرف الصحي، ومصادرة الممتلكات، والحرمان من الخدمات العامة

مأمون كيوان 

 

لعل الأمر الجوهري في الاحتجاجات الشعبية التي شملت مدنا إيرانية كثيرة، وتمثلت مطالبها في ضرورة توفير احتياجات داخلية ذات صلة بمواجهة رزمة أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة، منها الفقر والفساد والبطالة، يتمثل في تجاوز سقف المطالب التقليدية لما عُرف باسم التيار الإصلاحي الذي تبنى شعار التغيير من الداخل لضمان استمرارية النظام. وطرح مسألة تغيير النظام السياسي وسياسته الخارجية التي قادت إيران إلى حروب كارثية ومكلفة مع جوارها الإقليمي، وعلى نحو خاص العربي منه، تحت شعارات مذهبية وطائفية، كان هدفها الرئيس طمس مسألة الأقليات داخل إيران، وهي مسألة قديمة ـ متجددة كان لها دور في سجل الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها إيران.
ومن الملاحظ أن السلطات الإيرانية المتعاقبة منذ إيران الشاهنشاهية ووصولا إلى الملالية الخمينية والخامنائية، وجدت في الأقليات تهديدا لها، لذلك مارست ضدها أشكالا متعددة من القمع والحرمان والإقصاء الاقتصادي والتمييز، شمل الأقليات العرقية والقومية والدينية المكونة للشعب الإيراني، وهي القوميات التالية: 
التركية بنسبة 24%، والكردية 7%، والعربية 3%، والبلوشية 2%.
ووفق تقديرات أميركية، يشكل الفرس 51%، والآذريون «أتراك» 24%، والجيلاك والمازندرانيون 8%، والأكراد 7%، والعرب 3%، واللور 2%، والبلوش 2%، والتركمان 2%، وأعراق أخرى 1%. 
وتشير تقديرات أخرى إلى أن الفرس 49%، والآذريين «أتراك» 18%، والأكراد 10%، والجيلاك 6%، والمازندرانيين 4%، والعرب 2,4%، واللور 4%، والبختياري 1,9%، والتركمان 1,6%، والأرمن 0,7%.
وتقسم الأقليات في إيران دينيا ومذهبيا وطائفيا، إلى أقليات مسلمة وأخرى غير مسلمة، وتتكوّن الأقليات المسلمة من الجماعة: السنّية والإسماعيلية والصوفية. 
أما الأقليات غير المسلمة فتضم المسيحية، والزرداشتية، واليهودية، والبهائية والأشوريين، والكلدانيين والأرمن؛ والصابئة المندائيين.
كما تقسم الأقليات الأخرى إلى مجموعتين: مجموعة قانونية وأخرى غير قانونية. 
فمن الأقليات القانونية: الزرداشتية، واليهودية، والمسيحية والتي عُرفت في المجتمع الإيراني بالوسطية. ولهذه الجماعات أشخاص يمثلونها في البرلمان الإيراني ويدافعون عن قضاياها، مما يجعلها أقل مواجهة مع الدولة. 
ولكن الطائفة البهائية تمثل أهم قضية للأقليات غير القانونية. وفي الواقع لا توجد أي سياسة واضحة تجاه هذه الطائفة في البلاد، وإن كانت تغلب سياسة الطرد والإبعاد لهذه الطائفة، إضافة إلى حرمانهم من التحصيل الدراسي والتوظيف.
وتخضع الأقليات في إيران لقوانين وممارسات تمييزية، بما في ذلك تقييد الوصول إلى المرافق الأساسية مثل: الأراضي، والسكن، والمياه، والصرف الصحي، ومصادرة الممتلكات، والحرمان من الخدمات العامة، والحق في العمل في القطاع العام وشبه العام، كما في القطاع الخاص أحيانا، بناء على إجراء «غوزينش». 
و«غوزينش» إجراء انتقائي ذو طابع أيديولوجي معقد، يتمحور حول المعتقد السياسي أو الديني والولاء للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك ولاية الفقيه التي تشكل أساسا للنظام السياسي.
ولم يتم تطبيق المادتين 15 و19 من الدستور الإيراني بشأن الحقوق القومية. وتبرر السلطات ذلك بوجود صعوبات أمنية مجاورة تؤثر على الأوضاع في الأحواز.
وشهد إقليما سيستان وبلوشستان دائما مواجهات إثنية على خلفية دينية إذ غالب الأقليات الإثنية واللغوية، باستثناء تلك المتحدثة بالتركية، هم من السنة. 
ولهذا السبب يرتبط التمييز على أساس الدين مع التمييز على أساس اللغة والإثنية. من الناحية القانونية يمكن معرفة هذا التمييز في الدستور الإيراني الذي يثبت مذهب الشيعة الإثني عشرية «دينا للدولة غير قابل للتغيير». وحتى جميع القوانين التي يشرعها البرلمان يجب أن تكون متوافقة مع التفسير الشيعي للشريعة الإسلامية. وتقلد المناصب العليا، مثل منصب المرشد الديني ورئيس الدولة.
عندما كانت إيران تقسم إلى 4 ولايات هي: «أذربيجان، فارس، خراسان، كرمان»، وذلك قبل أن يتم احتلال الأحواز لاحقا في العصر البهلوي، وعند التدقيق في طريقة التقسيم هذه يظهر جليّا أن الأمر هو محاولة طمس المحافظات التي تحمل أسماؤها دلالات عرقية، أو ذات الغالبية العرقية، مثل عربستان، كردستان، أذربيجان، وغيرها.
ويُعتقد أن السياسة الحكومية الإيرانية في 3 اتجاهات متضادة ضمن سياسة متكاملة إزاء الأقاليم العرقية. أولها: كانت محاولة الدمج القسرية للمحيط العرقي ضمن هوية أحادية فارسية «السحب». والثاني: «النبذ» عبر التهميش لتلك المناطق. 
أما الثالث: «العبث» عبر تفتيت التركيبة الديموجرافية، سواء بالتهجير أو استبدال الفرس بالسكان الأصليين. وتؤدي هذه السياسات إلى جعل خطوط التماس العرقية القائمة تشكل خطوط تصدع عرقي، مما يدفع نحو تفكيك الدولة في ظروف مستقبلية معينة، منها على سبيل المثال، انحسار سلطة المركز على الأطراف، كما حصل في العراق وسورية، أو انهيار شرعيتها، أو تعزيز المقاومات المسلحة على امتداد تلك الخطوط، بل حتى عبر تدخلات خارجية مصلحية تحت ذرائع حماية الأقليات، أو في حال نقل عدوى التفتيت الإقليمي من جوارها.