سالم سالمين النعيمي

يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريرٍ نشر في أكتوبر 2017 إلى أن مجموع سكاّن العالم العربي وصل إلى 359 مليون نسمة، في ظل استنزاف موارد المياه الجوفية ووصول ملوحة البحر لدرجة عالية بسبب التحلية وستصل معدلات الملوحة إلى مرحلة ستكون فيها العملية برمتها عامل خطر مدقع على البيئة البحرية واستحالة اللجوء للتحلية كمصدر لتغطية الحاجة اليومية لاستهلاك المياه الصالحة للشرب والزراعة وباقي مكونات الحياة اليومية. ولك أن تعلم بأن 90% من غذاء الخليج العربي مستورد وقيمة فجوة الغذاء العربي لمختلف السلع تصل لنحو 35 إلى 37 مليار دولار في العام ويخشى المراقبون أن تتسع الفجوة الغذائية عربياً من الحبوب واللحوم وغيرها إلى 53 مليار دولار بحلول عام 2020، و60 ملياراً عام 2030.

فدولة عربية كبرى مثل مصر تعتمد تماما على نهر النيل الذي ينبع بنسبة 60% من إثيوبيا ويعد نصيب الفرد من المياه في مصر ضمن الأدنى في العالم بمعدل نحو 660 مترا مكعبا سنوياً، وبالرغم من أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم العربي تصل تقريبا إلى 555 مليون هكتار، فإنه لا يستغل منها سوى 13% تقريبا، وأضف على ذلك ضعف الانتاجية والهجرة الريفية الجماعية إلى المدن ووفق دراسات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، فإن الموارد المائية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا هي بين أدنى المعدلات في العالم، إذ أنها تدنت بنسبة الثلثين خلال الأربعين عاما المنصرمة ويتوقع أن تنخفض بما يزيد على نسبة 50 في المئة بحلول عام 2050، بجانب أن 90% من المساحة الإجمالية للأراضي في الوطن العربي تقع في مناطق قاحلة وشبه قاحلة وجافة ومتدنية الرطوبة، وما يقارب 45% المائة من مجموع الأراضي الزراعية معرض للتملح واستنزاف المغذيات من التربة والانجراف بسبب الرياح والمياه وفي الوقت ذاته، تستهلك الزراعة نحو 85 في المائة من إجمالي المياه العذبة المتاحة.

ولم نسمع في عالمنا العربي عن تحليل استراتيجي لكيفية البدء في التصدي للتهديدات المناخية وربطها بتهديد كالإرهاب مثلاً، ولنأخذ تجربة شمال نيجيريا مثالاً، حيث أدت إزالة الغابات، والإفراط في الرعي، وزيادة الحرارة الناجمة عن الاحتباس العالمي، إلى تحويل الأراضي الزراعية المنتجة وغابات السافانا إلى أراضٍ صحراوية، وفقدت بحيرة تشاد أكثر من 90% من حجمها الأصلي حيث تشكلت جماعة "بوكو حرام" الإرهابية من سكان تلك المنطقة بعد الفقر والتهجير وانعدام الأمن الغذائي وليست مسألة صراع سياسي وأيديولوجي وحرب أفكار فقط.

وأتساءل: هل لدى العالم العربي خريطة طريق للتكيف مع تغير المناخ؟ وهل بدأت الدول العربية في تعزيز صمودها ضد الأحوال الجوية القاسية والأعاصير وارتفاع منسوب مياه الأنهار والبحار وزيادة الكوارث الطبيعية ونقص الغذاء والماء وانتشار الأوبئة وتعطل سلاسل التوريد والخسائر الجسيمة التي قد تصيب البنى التحتية؟ ونحن نعلم أنه من الصعب وضع التهديدات التي يشكلها تغير المناخ في سياق عندما تكون الأخبار مليئة بالركود وتباطؤ النمو الاقتصادي، وبالهجمات الإرهابية والتهديدات النووية والحروب. لكن يبقى السؤال: من سيواجه تغير المناخ ببندقية أو صاروخ أو غواصة، خاصة إذا ربطنا زيادة الكوارث الطبيعية بتدفقات اللاجئين والصراعات على الموارد الأساسية، مما سيجعل تكاليف إعداد واستعادة البنية التحتية استعماراً جديداً سيفرض على المناطق الأقل استعدادا وجاهزية.

فالتغير المناخي يؤثر على الازدهار الاقتصادي والصحة العامة والسلامة العامة والاستقرار الدولي وإنتاج الغذاء والطاقة وهياكلها الأساسية الضرورية لدعم القطاعات الرئيسية لاستمرار الحياة الاعتيادية، فضلا عن الأمراض النباتية والحيوانية والبشرية، بما في ذلك الأمراض المعدية الناشئة، وتقويض النمو والتنمية بصورة عامة وسبل العيش الآمنة، وبالتالي تحفيز الأزمات، وتضخيم أو تسريع الصراع في البلدان أو المناطق التي تواجه بالفعل عدم الاستقرار في علاقة عكسية بين تغير المناخ والاضطرابات السياسية والعسكرية والآثار طويلة الأمد المتوقعة في حالت الفشل أو الإهمال في توفير ممكنات وإمكانيات التخطيط المنهجي الأكثر نجاعة وتأسيس مراكز بحوث التغير المناخي العربية للتخفيف من الأضرار والتعامل مع التكيف المناخي كأولوية للمنطقة مع تطوير وتنفيذ خطط التكيف الوطنية وترسيخ التعاون الإقليمي وتعزيز المعرفة القائمة في استراتيجيات الحد من خطر الكوارث وبناء الصمود فيما يخص تأثير التغير المناخي، لاسيما فيما يتصل بالمتغيرات المتعلقة بالجفاف وشح المياه.