جبريل العبيدي

 ليبيا تتجه نحو استحقاق انتخابي قد يكون فرضه أصحاب القرار في الأمم المتحدة، وقالوا عنه إنها الخيار «الأوحد» أمام الليبيين لحل الأزمة الغائمة، ولو كان بآلية مخلة بالديمقراطية والقانون، قبل إقرار الدستور، وفي ظروف أمنية غير ملائمة وعاصمة مختطفة، وانعدام الفرص أمام المرشحين في حرية الوصول إلى الناخبين والتواصل معهم في شتى بقاع البلاد، بسبب حالة الانقسام والاصطفاف الشديد في البلاد، ما يعني غياب النزاهة وحرية الاختيار، وإحلال مرحلة انتقالية جديدة بائسة في ليبيا، التي لا تزال تعاني منذ سبع سنين عجاف من حكومات انتقالية أفسدت الزرع والحرث.


ليبيا وطن لكل الليبيين سواء بالانتخاب أو عدمه، وليست محطة ترانزيت، وليست حكراً على فئة أو جماعة ضالة أو حتى صالحة، تختزله وتصادره وتخصخصه لصالحها، فليبيا ليست عقاراً، يسعى البعض للاستحواذ عليها دون الآخرين، ما جعل من الحسابات الحزبية تعلو على مصلحة الوطن العليا، فيصبح لمجرد مناكفة الحزب المضاد التضحية بمصلحة الوطن وسلمه الاجتماعي، لمجرد إقصاء الخصم السياسي في أي حوار، أو مشروع أو قانون، فهناك من يقسم الوطن، على مقاس حزبه وأعضائه، وهذا بسبب توارث مفاهيم خاطئة، عن الوطن والمواطنة والمصلحة الوطنية، نتيجة تردي الفكر والخطاب السياسي وفشل النخبة، وتكريس ثقافة الحزب والولاءات.
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قد تكون آلية للخروج من هذا النفق الضيق الخانق، ولكن هناك اشتراطات وطنية، على رأسها التحرر من العباءة الحزبية أو الفئوية، في التعاطي مع الاستحقاقات الوطنية العامة، مثل العقد الاجتماعي الدستور، الذي يجب أن يكتب بلغة واضحة غير قابلة لا للتأويل أو التضليل، ويجب أن يكون بتوافق جميع الليبيين، والإبقاء على التنافس الحزبي، في إطار الشأن السياسي المتعارف عليه بعيداً عن أي خصومة في أي من الاستحقاقات الوطنية، وخصوصاً الدستور؛ فهو يجب أن يكون للجميع، وليس مجرد وثيقة كتبت بحبر جماعة لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا بجغرافيا الوطن، فالمواطنون يعيشون في الوطن كمواطنين، لا كسياسيين، فالتعايش ضمن وطن خالص لمواطنيه، من دون استثناء أو انتقاء، تسوده سياسة التنمية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني الديمقراطي وروح التآخي والتعايش بين الجميع فوق أرض الوطن، هو ما ننشد.
الليبيون اليوم في حاجة لدستور وطني لا حزبي يسبق العملية الانتخابية، التي تسارع الأمم المتحدة إليها بشتى الطرق ومنها العصا والجزرة، وتحاول بعض القوى الدولية فرضها ولو بالتلويح باستخدام طائرات «رافال» ضد معارضيها، ما يشكل منعطفاً خطيراً لا يمكن القبول به، لأنه ينتقص من نزاهة الانتخابات، لكون من لوح بالتهديد لفرضها، لن يكون الراعي النزيه ولا الملاك الطيب في نتائجها، بل سيترك آثاره على درجة زرقة الحبر على أصابع هي للأسف ليبية.
الانتخابات يجب أن تكون استحقاقاً وطنياً ليبياً خالصاً، وليست حلبة صراع دولي وإقليمي ملون بالحبر الأزرق، لا أن تكون نافذة لعودة جماعة المرشد وجماعات الإسلام السياسي المهزومة، فالمعجزات لا يصنعها الأفراد، بل تصنعها الشعوب الحرة التي سترفض استنساخ كرازي منتخب بحبر مسروق في ليبيا. فليبيا لن تكون إلا ليبيا خاصة بطعم أكلاتها، وبنكهة ليبية خالصة، فحذارِ من الأيدي الإخوانية التي تحاول ترسيخ أقدامها منذ انهيار الدولة وتدخل «الأطلسي» في تدميرها، وعلى الليبيين أن ينتبهوا لهذا، ويراقبوا هذه الأيدي التي تريد أن تخطف بلدهم وتسلمه لقوى خارجية.