سمير عطا الله

 طارد نابوليون الإمبراطورية البريطانية وطاردته في كل مكان مثل أسدين جائعين. هُزم ونُفي في المرة الأولى إلى جزيرة ألبا الإيطالية، فاستطاع الفرار. في المرة الثانية نفي إلى جزيرة سانت هيلانة، جنوب الأطلسي، على بعد آلاف الأميال من باريس.

بعد خمس سنين توفي في حراسة الحامية البريطانية، التي كان قادتها يقعون في سحر الإمبراطور، كما رووا في مذكراتهم التي أضيفت إلى آلاف الكتب التي وضعت عن سيرة القائد العسكري المذهل.
بعد 19 عاماً على وفاته، عام 1840، طلبت الحكومة الفرنسية من الحكومة البريطانية السماح باستعادة رفاته. طرحت لندن السؤال على عدد من المسؤولين، وبينهم دوق ولنغتون، الذي أنزل الهزيمة بالإمبراطور، فأرسل الرد التالي: «يتقدم الفيلد مارشال دوق ولنغتون بالتمنيات لوزراء صاحبة الجلالة. إذا كانوا يريدون معرفة رأيه كسياسة عامة، فإنه لن يفعل. أما إذا كانوا يريدون معرفة رأيه كمواطن عادي، فإنه لا يتردد بالقول إنه لا يعطي أهمية بضعة قروش لما يحدث لرفات نابوليون بونابرت».
لم يخش البريطانيون فرار نابوليون حياً، بل خافوا أكثر أن يختطف جثمانه ويجتمع حوله الفرنسيون والأوروبيون في هبة جديدة. تبين ذلك عندما بدأت البعثة الفرنسية الحفر بحثاً عن النعش. فماذا وجدت؟ أولاً، كان لا بد من رفع طبقة من التراب والإسمنت التي تغطي حجارة حديدية ضخمة وضعت فوق النعش. نعش واحدٍ إذن؟
لا. مثل «لعبة الخشب الروسية»، كانت هناك أربعة نعوش أدخلت ضمن بعضها البعض: ثلاثة مصنوعة من خشب «الماهوجني»، وواحد من الرصاص، وضع فيه الجثمان. استغرق العمل ساعات طويلة وأناة شديدة. بعد يوم كامل، تم رفع النعوش إلى الخارج، وفُحصت واحداً واحداً إلى أن تبين النعش غير الخادع. وكانت هناك مفاجأتان، الأولى وجود الجثمان، والثانية كأنه لم يفقد الروح منذ نصف عقد. لم يعجب ذلك المسؤولين البريطانيين الحاضرين. واكفهر الجو أكثر مما هو كئيب. وتم إغلاق النعش بسرعة، ثم وضعه في نعش من الأبنوس حمل خصيصاً من فرنسا.
نُقل النعش إلى عربة خيل مغطاة بالمخمل الأسود. وقرع رجال المدفعية الطبول والقِرَب، ثم عزف الموسيقيون النشيد الجنائزي، فيما انحدر الموكب في نزول حاد نحو شاطئ البحر، حيث كانت تنتظر البارجة الفرنسية التي جيء بها لنقل النعش. ولدى وصول الموكب إلى العاصمة جيمس تاون، أطلقت المدافع المركزة على تلها. إنها المدفعية التي نصبت في الأساس لكي تمنع نابليون من الهرب إن هو حاول ذلك.
أعطي مراسم وداع ضابط كبير، وليس إمبراطوراً. ولكن التأثر كان واضحاً على البريطانيين والفرنسيين معاً. واشتدت العواطف عندما انضمت إلى الموكب قبل محطته الأخيرة، أربعة من خيول الإمبراطور، التي رافقت سكناه في «وادي البوغانفيليا».