عبدالله العوضي 

العرب «كنتم خير أمة أُخرجت للناس»، ليس للمؤمنين أو المسلمين، بل للناس أجمعين، و«كنتم» ليست للماضي، فالله تعالى لا يقيده ماضي ولا حاضر ولا مستقبل، فالزمن عنده بالمطلق، أي كنتم ولازلتم إذا حققتم شروط الخيرية ليس لأنفسكم فقط، بل للعالمين من الإنس والجن وحتى عالم النبات والحيوان لأنهما يتأثران بحركة الإنسان.

العرب وقود الإسلام الحقيقي، وحضارته التي سادت الأرض من أطرافها لأكثر من خمسة عشر قرناً، ولازالت الإمكانات وفيرة للعودة لا للماضي، بل لبناء المستقبل بذات شروط الخيرية المستمرة والمستدامة، مع إضافة بهارات العصر الحديث عليها في كل جوانب الحياة. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً».

ففي حال اختلت شروط القيادة للعالم والريادة للذات، والرائد لا يكذب أهله، وقع تحت طائلة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث أبو هريرة: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم في بيته بيت زينب، وهو يقول: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كهذا، وحلق بين أصبعيه. قالت له زينب: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث». حديث صحيح رواه أبو داود.

وبعيداً عن التفسيرات السطحية لهذا الحديث العظيم، وقد دخل علينا العام 2018، وقد أحاط بالعرب ما نسميه حالة «يأجوج ومأجوج»، وهي الفوضى العارمة، مأخوذةً من التأجيج وعدم الاستقرار الذي نلحظه اليوم في معظم البلدان العربية التي ماجت بثورات خادعة تريد قلع العرب والعروبة من جذور حضارتهم وارفة الظلال منذ قرون بشهادة صقر قريش في أندلس ذاك الزمان، إسبانيا الآن.

هذا الوعيد والتحذير ليس للتيئيس، بل للنهوض وعدم الاستلام لنداء الويل والثبور، بل السعي للبحث عن مخارج للحبور والسرور بالمنجزات المقبلة وليس الاتكاء على ما قدمنا، بل ما يجب أن نقدمه لبقية الأمم دون التقليل من شأن أي أمة عظيمها أم دقيقها.

فالهلاك أو العطب شأن كوني يصيب العرب وغيرهم، فهو داء مشترك، فلا محاباة لأحد عند رب الناس، إلا أن العرب يفترض أن يكونوا للرب أقرب بحكم الرسالة السماوية والأمانة الإلهية في أعناقهم منذ قوله تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا..». فهذا قدر العرب من ربهم، فمن يجادل فيه لابد أن يدفع الثمن في جزئية التخلف عن ركب التقدم الإنساني عندما يكثر «الخبث».

فالويلات من حول العرب كثيرة وكبيرة، كعظم مسؤولية العرب في سد «ردم يأجوج ومأجوج» من شذاذ الآفاق، سواء أكانوا أحزاباً أم حركات أم منظمات تتسمى وتتمسح بالإسلام، وهو بريء من ترهاتهم وشرور أعمالهم وشِرار أفرادهم المغرر بعقولهم والمتلاعَب بنفوسهم حد المرض الفكري أو الأيديولوجي الذي يفجِّر الصالح قبل الطالح.

فالمعالجات التي نراها اليوم ليس في مكانها الصحيح، فقد نجد هذه الحالة أمام أحد المرضى الذين ذهبوا لزيارة طبيب العيون لعلاج ألم في معدته، فقام الطبيب بوضع الدواء في عينيه، فزاد صراخ المريض من الطبيب، فرد عليه الأخير: لو كنت مبصراً لما أدخلت إلى معدتك هذا الداء!

فإذا كان مرض المجتمعات والدول في قلوبها، فلا ينفع علاج عينيها في شيء، بل يزداد المرض تفاقماً وانتشاراً في أنسجة المجتمع.

أو كالذي دعى رجلاً إلى بيته على فنجان قهوة، فأخذ صاحب الدار إبريق القهوة ومعه الفنجان، فقلب وضعه على الطاولة ثم سكب القهوة في الفنجان المقلوب، فبدأت القهوة تسهيل على الطاولة، والرجل يمنع صاحب المنزل من هذا السلوك، حتى رد عليه قائلاً: هكذا حالنا اليوم، نسكب القهوة في فنجان مقلوب، هل يستقيم مثلاً!

أما الذي ذهب إليه الطهطاوي عندما زار باريس لأول مرة فألّف كتابه «الإبريز في تلخيص باريس» والذي أراد أن يقول فيه شيئاً واحداً: رأيت هناك إسلاماً ولم أر مسلمين، أما في بلدي فرأيت مسلمين ولم أر إسلاماً.

الإسلام المؤسسي هو الحل، وليس الإسلام السياسي كما يدعي أصحاب العقول الصغيرة والأفكار المتحجرة والأفهام المعوجة والسقيمة.