مشاري الذايدي

 على وقع الاحتفالات الدولية والإقليمية بهزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، وفي الطريق ربما مصر وليبيا، نجابه هذا السؤال المباشر: هل «داعش» هي الشكل الوحيد للخطر الإرهابي المتأسلم؟
سنسلّم أن دولة خليفة «داعش»، الملّا العراقي إبراهيم عواد، الملقب بأبي بكر البغدادي - بالمناسبة زمان لم يظهر لنا الرجل! - سنسلّم أنه تم سحق ومحق دولة «داعش» هذه بالعراق وسوريا للأبد، هل يعني هذا انتهاء كل مساعي الساعين لتثبيت «الفريضة الغائبة» الجهاد؟
وصف «الفريضة الغائبة»، وهو وصف خطير، كان عنواناً لكتاب مؤسس ضمن أدبيات الجماعات الأصولية المسلحة، وهو للمصري محمد عبد السلام فرج، أحد منظّري قتلة الرئيس السادات 1981. فرج أعدم بسبب ضلوعه في جريمة قتل السادات.
كتاب فرج اعتبر لدى بعض الباحثين مجرد حاشية من تلميذ على كتاب شيخه سيد قطب الشهير والمؤسس هو الآخر «معالم في الطريق»، وقد عنون فرج أحد فصول كتابه باسم كتاب آخر لسيد قطب هو «المستقبل لهذا الدين».

بالعودة لـ«داعش»، الذي هو ثمرة من غصن القطبية والأخيرة فرع من شجرة الإخوان، فقد كانت أفكار سيد قطب وكلماته تزيّن حيطان مدينة الرّقة السورية، حين كانت عاصمة للخلافة الداعشية، كما يعتمد المنظرون الداعشيون الجهاز المفاهيمي الذي دشّنه سيد قطب، وما زالت قنابله تنفجر في وجه الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء.
بعض الغربيين، من زاوية أمنية بحتة، لاحظ هذه المسألة، عنيت أن القضاء على «داعش» لا يعني القضاء على المعضلة، فتنظيم القاعدة، الأكثر صراطية إخوانية، سيكون هو الأخطر قريباً!
أكد فين بورك أندرسن رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الدنماركي أن شبكة القاعدة: «لا يزال لديها طموح بمهاجمة الغرب»، وأن الدعم الذي تتلقاه الشبكة الإرهابية يزداد مع ضعف تنظيم داعش.
وأضاف في تقرير للوكالة الاستخبارية الدنماركية، أن إمكانات «القاعدة» تكمن بشكل أساسي في أفريقيا واليمن، وللشبكة أيضاً «وجود قوي» بسوريا يمثل تهديداً للغرب.
كلام الرجل صحيح، ونحن نرصد هذه الأيام ازدهار شبكات «القاعدة» على أنقاض «داعش» في سوريا، وربما - لا سمح الله - العراق.
دعاية «القاعدة» في هجومها على «داعش» تقوم على أنها هي الممثل الصحيح للجهاد الإسلامي، وليس «داعش»... يعني هو تنافس بين جماعتين على شرعية الإرهاب!
قامت دعاية «القاعدة» بسوريا والعراق، مثل كلام المحيسني والجولاني، على هذه الدعوى، من هنا فإن الإسراف بحصر الحديث عن «داعش»، وترك الأهم وهو نقض الفكر الذي ولد من رحمه «داعش»، وقبله «القاعدة»، وقبله القطبية وقبلها النظام الإخواني الخاص، هو نقطة البداية... القاتلة.