عبدالله السويجي

هوس الظهور الإعلامي والإصرار على إحداث جدل في العالم أصبحت عادة من عادات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، ولهذا اختار في البداية أن يصطدم بشكل مباشر ومستمر مع كبريات وسائل الإعلام الأمريكية ويشتبك معها متهماً إياها بعدم المهنية والكذب، فاستفز كبار المحررين وأصحاب الأعمدة الرئيسية والافتتاحيات، وبعدها استخدم مواقفه السياسية التي لا تعدو عن كونها مجرد فقاعات ليكون دائماً في الصدارة، فإن لم يجد عدواً إعلامياً أو موقفاً سياسياً لجأ إلى الإتيان بحركات أمام وسائل الإعلام ليستدرج التعليقات، والهدف الإبقاء على شخصه حاضراً في الصفحات الأولى للصحف وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قد يكون ترامب أكثر رؤساء الولايات المتحدة الذين يلجؤون ل«تويتر» لإطلاق تصريحاته، لكن هذا الهوس في الظهور قاده إلى مخالفة القواعد الرسمية للسياسة والدبلوماسية الدولية والعلاقات الدولية، فأطلق على الأفارقة أوصافاً لا تليق برئيس دولة كبرى.

الملف النووي الإيراني قد يكون أكثر الملفات التي شغلت بال سلفه باراك أوباما الذي وقَّع اتفاقاً مع إيران، وواصل هو هذا الانشغال، وأضاف إليه ملف كوريا الشمالية، وفي الحالتين، كان يتراجع بطريقة أرضت كثيرين لأنها تنزع فتيل أزمة قد تقود إلى حرب شرسة ومدمرة، لكنها أدهشت وأثارت استغراب سياسيين كثيرين معنيين بالأمن والسياسة الدوليين. 

لقد هدد ترامب خلال حملته الانتخابية بالخروج من الاتفاق النووي مع إيران في حال وصوله إلى البيت الأبيض، وكذلك اعترافه بالقدس عاصمة لدويلة «إسرائيل»، وحين وصل ظل يناور مع الإيرانيين لكنه لم ينفذ تهديده بإلغاء الاتفاق، ولم يتمكن من تعديل شروطه، وتملّص من وعوده عن طريق استخدام (التمديد) والتواصل مع (حلفائه) الأوروبيين. فقبل أيام قليلة، أعلن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية أن الرئيس ترامب سيمدد تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في إطار الاتفاق النووي ولكن «للمرة الأخيرة»، ويعتزم العمل مع «شركائنا الأوروبيين بهدف تشديد بنود النص الذي تم التوصل إليه عام 2015». من المفيد الإشارة هنا إلى أن الاتفاق لم يكن بين الولايات المتحدة وإيران وحدهما، بل بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وبين إيران،وأقره مجلس الأمن كوثيقة دولية وبالتالي فإن أي تغيير في البنود أو الإلغاء يتطلب اتفاقاً بين الموقعين. وحتى يحافظ الرئيس الأمريكي على وعده فقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة تستهدف 14 فرداً ومؤسسة إيرانية وعللتها بانتهاك حقوق الإنسان أو لصلتها بالبرنامج البالستي الإيراني. 
وردت إيران عن طريق وزير خارجيتها محمد جواد ظريف يوم الجمعة الماضي بأنه «لا يمكن إعادة التفاوض على الاتفاق، وبدلاً من تكرار الخطاب المتعب، يجب على الولايات المتحدة أن تحترم نفسها تماماً مثل إيران»، وزاد على ذلك إن واشنطن «تنتهك» ثلاث فقرات من الاتفاق، بما فيها الفقرة 26 التي تدعو الولايات المتحدة للتصرف «بحسن نية لدعم الاتفاق» النووي والسماح لإيران بالاستفادة من رفع العقوبات عنها، وقال أيضاً إن عداء ترامب حيال الاتفاق النووي وإزاء إيران عموماً يشكل أيضاً انتهاكاً لفقرة «الامتناع عن أية سياسات قد تؤثر مباشرة أو غير مباشرة في تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران» على النحو المنصوص عليه في الفقرة 29.


وفي تقديرنا فإن ترامب لن يقدم على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ليس خوفاً وإنما لأن الدول الأوروبية وروسيا والصين، الموقعة على الاتفاق ترى أن إيران لم تخرق الاتفاق وتمتثل لبنوده، وقد تكون إيران لم تفعل ذلك بالمجمل إلا أن تضارب المصالح سيجعل من الصعب تعديل أو إلغاء الاتفاق، لأنه أيضاً سيعطي الحرية لطهران بأن تصبح دولة نووية خلال فترة بسيطة، وهذا ما يعقد الأزمة، ومن جهة أخرى، فإن واشنطن هي المستفيد الأكبر من هذا القلق العالمي الذي تخلقه ولا سيما في المنطقة العربية بشكل عام، ومنطقة الخليج بشكل خاص.
مصداقية ترامب مع حلفائه في الغرب والمنطقة العربية تهتز بشكل حاد، وازدواجية المعايير والالتزامات اتضحت في مواصلة تذبذب سياسته مع إيران، وفي حسمها إلى جانب «إسرائيل» حين أوفى بوعده الإعلان عن اعترافه بالقدس عاصمة لها ونقل سفارته إلى القدس.


إن حبه للظهور الإعلامي وخلق جدلاً لا ينتهي استبد به إلى درجة أنه افتعل مشكلة مع 54 دولة إفريقية حين أطلق عليها وصفاً غير لائق، الأمر الذي أثار استنكار مئات الملايين من سكان إفريقيا والأمريكيين المنحدرين من أصول إفريقية، وطالبوه بالتراجع والاعتذار لأنها «تصريحات فاضحة وعنصرية ومتضمنة كراهية للأجانب»، ولم ينفع مع ترامب اللعب على الكلمات إذ أكد عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي ديك دوربن الذي حضر الاجتماع الذي استخدم خلاله ترامب اللفظة النابية، أن الرئيس استخدم هذه اللفظة عدة مرات.
الأهم أن يدرس الحلفاء العرب بعناية تسلسل مواقف الرؤساء الأمريكيين تجاه قضاياهم، وأن يطرحوا السؤال الذي يدور في أذهان كثيرين: هل الولايات المتحدة حليفة صادقة أم لا؟