سمير عطا الله

الأولى، في شمال أوروبا، أقرب إلى الصقيع. الثانية في شرق آسيا، ويسمى مناخها آسيوياً، أي رطباً ماطراً في الصيف. الثالثة بين المحيطين الأطلسي والهادي، فيها خضرة بلا نهاية، وفيها براكين. ثلاثتها تلتقي في محاذاة بعضها بعضاً، للعام الثالث، على أنها الدول الأكثر سعادة في العالم، وفق استطلاع مجلة «ناشيونال جيوغرافي».

الدنمارك وسنغافورة وكوستاريكا.. وأوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. ما السر؟ لا يمكن البحث عن سبب واحد لشيء هائل كالسعادة. لكن قد يكون الأمن؛ أول شروط الحياة. لا راحة بال من دون أمن. في السبعينات، كانت نيويورك مدينة بائسة بسبب ضياع الأمن، بائسة رغم مال وول ستريت، ورغم ناطحات السحاب.

الثاني، الأمان شبه الكامل. فالقانون إلى جانبك تماماً، وليس حائراً بين المرتكب والضحية. والقاضي عمله تطبيق القانون، وليس قاعدة النفوذ والرشوة. والأمان هو أيضاً ضمان اجتماعي وصحي، ويحفظ كرامة الشيخوخة. تذهب إلى النوم وأنت مطمئن إلى كرامة والديك وتعليم أبنائك، وإلى أن ما يحسم من راتبك اليوم سوف يحتسب في تقاعدك غداً.

هذه الطمأنينة تجعلك الإنسان الأقل استهلاكاً للمهدئات، والأقل تعرضاً للأمراض التي يسببها اهتراء الأعصاب، والبقاء عامين ونصف من دون انتخاب رئيس للجمهورية، أو سماع نشرة الأخبار المحلية. منذ عام 1948، ألغت كوستاريكا الجيش. تؤمن الحماية للناس بصرف المال على تطوير أحوال الناس.

دخل الفرد في كوستاريكا 17.500 دولار. نصف شباب العالم العربي بلا عمل، والنصف الآخر بلا أمل، والباقي موزع على جيوش أهم من جيش الدولة. في الدنمارك، وفي سنغافورة، لا يمكن أن تلمح عسكرياً بلباسه في الشارع. مهمته أن يحرسك، لا أن يخيفك. نسبة المتعلمين في كوستاريكا 97 في المائة.

الدول الثلاث قليلة المساحة نسبياً، لا تشكل شيئاً من مساحة ليبيا، أو من ثرواتها الطبيعية. وربما كان سبب السعادة الأول أنها بلا سياسة تقريباً. ورئيسة وزراء الدنمارك تدعو ضيوفها إلى الغداء في «كافيتيريا» المبنى. والمستنقع السابق وأرض البعوض، الذي كان اسمه سنغافورة، أعطاه الله رجلاً يدعى لي كوان يو. ومعه، تحول المستنقع إلى موطن للرخاء والسعادة. الحشد الوحيد فيه هو للعمل والغناء. وكوستاريكا بلا جيش منذ 1948، العام الذي ضُربنا فيه بالنكبة.