حسين شبكشي

كانت دول مثل مصر والعراق وسوريا ولبنان مرايا الثقافة العربية و«ماكينة» صناعتها. كان العرب يتابعون ما تقدمه وسائل الإعلام فيها من أفلام وأغانٍ ومسلسلات ومسرحيات وكتب، وبالذات ما يتم تحضيره من مهرجانات ثقافية ومؤتمرات عامة. لسنوات طويلة «احتكرت» هذه الدول المنتج الثقافي، وتحديداً المهرجانات منه، مع محاولات خجولة من دول أخرى، مثل المغرب وتونس وعمان والأردن، إلا أنها بقيت مجرد محاولات خجولة.


لكن بهدوء شديد ودراسة واثقة ومتأنية وبأسلوب ممنهج، بدأت البحرين تضع اسمها وبقوة شديدة ومستحَقّة على خريطة الثقافة العربية، وتصبح من أهم الصانعين للثقافة في المنطقة، ومن مشيِّدي الجسور الحضارية بين الأمم تماماً، كما يجب أن تكون عليه الرسالات البشرية الحقيقة، فهي أهم أدوات نبذ التعصب ومد أيدي الصداقة وترسيخ القواعد الإنسانية المشتركة.
أصبحت مناسبات البحرين الثقافية المدروسة بعناية شديدة أهم الأحداث في الساحة الثقافية العربية. فكل مناسبة يتم الإعداد لها بدراسة فائقة الدقة، واختيار المواضيع والضيوف دائماً ما يكون بمثابة المفاجآت السارة وغير المتوقَّعة، فلا يوجد أي نوع من الفنون غير مرحَّب به، واتساع المواضيع لا يحده إلا اتساع الأفق.
انفتاح مدهش وجميل على كل الحضارات والثقافات، لا فرق بين الفن الروسي والجنوب الأميركي والهندي والإسباني، هناك احترام لكل ثقافة وتقدير لكل حضارة. وهذه المراعاة والممارسة الثقافية تأتي من موروث ثقافي وحضاري عميق وقديم تمثله البحرين نفسها، وهي أقدم الحضارات في منطقة الخليج العربي، وهي التي عُرِفت تقليدياً بأنها واحة التسامح والتعايش الجميل بين مختلف الناس فيها. بهذا النجاح «الثقافي» المبهر كسرت البحرين وحدها الصورة النمطية الموجودة عن الشعوب الخليجية والمرتبطة بالاقتصاد والمال لتبرز جوانب جميلة، جوانب حضارية وثقافية وفكرية.
اليوم أصبح لدى البحرين نقطة جذب اقتصادية مهمة وفعالة مبنية على أسس ثقافية بحتة، فلقد أثبتت التجربة البحرينية أن الثقافة من الممكن جداً أن تكون فكرة اقتصادية مميزة ذات عوائد مالية مجزية وجذابة، بالإضافة طبعاً إلى أنها من الممكن جداً أن تكون إحدى أهم أذرع القوى الناعمة التي تدعم الصورة النمطية للبلاد أمام العالم كله.
البحرين دولة صغيرة بحجمها الجغرافي، ولكنها استطاعت التفوق على كثيرين بتقديم منتجات ثقافية مبهرة ومهمة أمام ساحة مليئة بمنافسين لديهم تجربة أكبر وأقدم أو قدرات مالية هائلة. تثبت التجربة البحرينية أن رأس المال الحقيقي لنجاح أي فكرة يبقى دوماً القدرة البشرية والإبداع والابتكار وروح الفريق المخلص، وهي العناصر التي توافرت بامتياز في مشروع البحرين الثقافي.