حسناء القنيعير

أيُّ عرب هؤلاء؟ أهم الذين شاركناهم أموالنا ولم نبخل على أي دولة من دولهم وقت أزماتهم الكثيرة، أم أولئك العرب - ولبنان أولهم - الذين كانوا ينعمون برغد العيش من فاكهة وثمار مختلف ألوانها، فيما أجدادنا كانوا يتضورون جوعاً في بلادنا المترامية الأطراف؟ فأين كان هؤلاء العرب، ولماذا لم يقاسمونا خيراتهم؟

طالعتنا وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية بأخبار وأحداث شهدتها الساحة اللبنانية في الأيام الماضية موجهة ضد بلادنا على نحو يشي بتصعيد موجه؛ إن ابتزازاً وإن إمعاناً في إعلان العداوة حقدًا واستجابة لإملاءات طهران ومخلبها في لبنان! ما شكل صدمة لمن يتابع ما يروج فيه من خلافات سياسية؛ حتى بدا لبنان لفرط هجومه علينا سياسياً وإعلامياً، واهتمام بعض أطيافه بشؤوننا (حتى تلك القضايا التي تروج في السوشال ميديا من مراهقين وبسطاء، وانشغال القنوات اللبنانية بها خصوصاً قناة تحسين خياط الذي تموله قطر ليوالي الهجوم علينا على مدار الساعة)، كل هذا يجعل المتابع يخال لبنان واحة أمن ورخاء وازدهار، فليس لديه ما يشغله من إشكالات على كل الأصعدة، ولم يبق أمام المصعّدين سوى بلادنا يتطاولون عليها، بأسلوب اصطُلح على تسميته بـ (حرق المراكب) أي خط اللاعودة الذي ترعاه إيران ومن سار في فلكها من ساسة وأتباع تلبسوا بالأحقاد ومشاعر الكراهية، وامتهنوا الأكاذيب وتشويه الحقائق.

وأول ما رأينا من ذلك الأسلوب، أغنية هابطة من كومبارس اسمها جوانا كركي، بمشاركة مخرج اسمه شربل خليل تسخر من بلادنا وقادتنا، والمثير للغرابة أنها التقت رئيس الوزراء ورحب بها أيما ترحيب! يلي تلك الأغنية إحياء ذكرى موت الإرهابي نمر النمر من قبل شيعة لبنان، ولم يتوانَ رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" في البرلمان اللبناني عن هجومه على بلادنا، والحشد المغيب يحمل لافتات تترجم حقده وجهله، وتثبت تواطؤ الحكومة اللبنانية عن ذلك الأسلوب السمج الذي بات عنواناً لإعلان حرب على بلادنا، ما دام من يفعله ذا صفة رسمية.

وذكرت إحدى الصحف اللبنانية أنه نقل عن مسؤول سعودي في لبنان قوله: في لبنان "حملة إعلامية – صحافية ضدنا في وسائل متنوعة، مُقذعة ولا مثيل لها، تُستخدم فيها وتروّج أخباراً كاذبة عن القيادة السعودية، وتُطلق أوصافاً وشتائم يندى لها الجبين. وكل ذلك بنسق يومي من غير توقف. نحن ندرك أنّ في لبنان قانوناً يمنع الإساءة إلى العلاقة بدولة شقيقة، لا نريد أن تلجأ السلطات إليه إنما فلتذكر وجوده، هل هذا كثير؟".

وبتحريض لا يخفى على ذوي البصائر يحتشد عدد من اللبنانيين الذين كانوا يعملون في شركة سعودي أوجيه أمام سفارة بلادنا؛ للمطالبة بمستحقات يزعمون أن بلادنا تدين لهم بها، ولم ينسوا حمل لافتات تحمل البذاءات ذاتها، خصوصاً إقحامهم زيارة الرئيس الأميركي ترمب لبلادنا، فرددوا ذات الحماقة التي روجت لها قطر وأتباعها من مأفوني الفكر!

لكنّ مسؤول التموين بشركة سعودي أوجيه وجه رسالة شديدة اللهجة إلى سعد الحريري يطالبه فيها بدفع المستحقات المالية للموظفين المفصولين، قائلاً: "الحريري ملزم بدفع مستحقاتنا المالية وليس السعودية”، وجاء ذلك خلال تجمع عشرات الموظفين السابقين في شركة سعودي أوجيه أمام منزل سعد الحريري في بيروت. وكانت الإعلامية اللبنانية ماريا معلوف قد وضعت تصويتاً عبر حسابها الرسمي على تويتر لقياس الرأي العام اللبناني حول تصريح سعد الحريري من أن حزب الله أصبح عامل استقرار في لبنان، مما أثار غضب بعض اللبنانيين الذين يعتبرون الحزب السبب الرئيس في تخلف لبنان سياسياً واقتصادياً، وأظهر التصويت هجوماً حاداً على الحريري، ورفض تسعين في المئة منهم ما قاله بشأن الحزب.

أما وليد جنبلاط ذو التقلبات والمزاج العصابي، فقد ظهر في برنامج تلفزيوني ليحشر أنفه فيما لا يعنيه، من باب خالف تعرف، فقد طال بالناس عهد تقلباته وفرقعاته الإعلامية، فأراد أن يقول هأنا ذا، فذكر أن الحرب في اليمن عبثية وذلك التماساً لرضا المندوب السامي الإيراني حسن نصر الشيطان، وكذا لم ينس قطر علها تجود عليه (أو لعلها جادت) بما يرضيه من أموالها التي تغدقها بسخاء على أبواقها في لبنان من إعلاميين وساسة، فذكر أن ما يحدث من قطيعة بيننا وقطر عبثي أيضاً. ومما يدعو للعجب أيضاً جرأته في الاحتجاج على إدراج جزء من شركة «أرامكو» في أسواق الأسهم العالمية، فيقول: «أرامكو حق لنا»! فعن أي حق يتحدث هذا وأمثاله الذين صدعوا رؤوسنا بمقولة البترول مال العرب، فأيّ عرب هؤلاء؟ أهم الذين شاركناهم أموالنا ولم نبخل على أي دولة من دولهم وقت أزماتهم الكثيرة، أم أولئك العرب - ولبنان أولهم - الذين كانوا ينعمون برغد العيش من فاكهة وثمار مختلف ألوانها، فيما أجدادنا كانوا يتضورون جوعا في بلادنا المترامية الأطراف؟ فأين كان هؤلاء العرب، ولماذا لم يقاسمونا خيراتهم؟ لكن عندما أفاء الله علينا بنعمة البترول التي لم نحجبها عنهم، جاؤوا يقولون هذه أموالنا! تباً لهذه العقول المريضة التي لا حدّ لحماقتها وجهلها وأنانيتها، البترول نعمة أفاء الله بها علينا، استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام، ولأنّ الله يعلم أننا الأنقى والأنظف والأطهر من غيرنا، حبانا بهذه النعمة، تخيلوا لو أن البترول كان لدى عرب الشمال ماذا كانوا فاعلين؟ ربما بنوا أسواراً بيننا وبينهم كما فعلت إسرائيل مع الفلسطينيين.

لجنبلاط وأمثاله من سفهاء العرب أدعياء ما ليس لهم بحق، أقول ما قاله الإمام الشافعي:

يُخَاطِبني السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ

فأكرهُ أن أكونَ له مجيبا

يزيدُ سفاهة فأزيدُ حلماً

كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا

ختاما، يكفيكم شرفاً أن من يرفع شعار المقاومة والممانعة في لبنان، والممسك بزمام الأمور فيها، متهم من قبل المجتمع الدولي بالمتاجرة بالمخدرات وغسيل الأموال حول العالم كله. فاللهمّ لا شماتة!