سمير عطا الله

 الشهر الماضي فقدت فرنسا جوني هوليداي، أشهر مغني «الروك» عندها وأشهر مقلدي ألفيس بريسلي، وقد سار في وداعه نصف مليون معجب. وكان أهم رثاته رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون. وقبل يومين فقدت أشهر طباخيها المعاصرين، بول بوكوس، وكان أول رثاته المسيو ماكرون.

الرؤساء في العالم الحديث هم أيضاً وزراء الثقافة ووزراء التجارة ووزراء الترويج للصادرات. مضى الزمن الذي كان فيه الرئيس لا يتحدث إلا في السياسات الكبرى. ومهمة هذا الرئيس الآن، أن ينقذ اقتصاد فرنسا من الركود والديون. وأهم ما لديه للتصدير الآن صورته الحيوية، ولذا، لا يتردد في ذلك. وبعدما كانت أوروبا تأمل أن تقوم ألمانيا بدعم فرنسا، يبدو الآن وكأن برلين هي من يعتمد على هذا الرئيس الشاب.
في القمة بين المستشارة ميركل وماكرون قبل يومين، بدت الصورة محزنة حقاً، المستشارة في ثياب أقرب إلى المسكنة منها إلى التواضع، وقد ترهّلت عن قبل، وبدت عليها تجاعيد الأزمة التي تغرق فيها، إذ تعجز منذ الانتخابات عن تشكيل حكومتها. وفي هذا التأزم الأوروبي، يتصدر ماكرون صورة الأمل: من ناحية تخرج السيدة ماي ببريطانيا من الوحدة الأوروبية، ومن ناحية أخرى تنوء السيدة ميركل بأحمال اللاجئين.
أما هو فيشدد أمام العالم على صورة فرنسا الحضارية في الفنون، بما فيها الطهي، الذي حولته من صحون وملاعق إلى رسوم واختراعات، ونجوم تعلق على صدور المجلين. على كل رئيس فرنسي أن يثبت مدى علاقته الوطيدة بالفن والأدب، وليس فقط بالاقتصاد. ومثل جورج بومبيدو، خلف ديغول المباشر، جاء ماكرون من عالم المصارف. مثله يريد أن يؤكد أن معرفته بالتراث ليست أقل من معرفة ديغول، وأن شغفه أيضاً ليس أقل.
هذه الواجبات الفرنسية ليست ملحوظة في بريطانيا أو ألمانيا، مع أنه يمكن أن يمر في «داونينغ ستريت» رجل مثل تشرشل، عبقري في الآداب وعلم بالرسم. والسبب أنه بدأ حياته صحافياً، مثل جون كنيدي، الذي عندما وصل إلى البيت الأبيض، أحاط نفسه بالمفكرين. وطلب من شاعر أميركا، روبرت فروست، أن يكون خطيب حفل تنصيبه في الرئاسة.