زاهي حواس

 أصبحنا ولأول مرة نعرف مواقع أثرية تعود إلى تاريخ ما قبل الحضارة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، وتتم بها أعمال حفائر علمية وتطوير مهم جداً للحفاظ على جزء مهم من تاريخ شبه الجزيرة العربية؛ وقبل هذه النهضة الأثرية كانت معلومات الأثريين تتوقف عند حد المعرفة بأطلال مدائن صالح. وقد تحدثت من قبل عن بعض المواقع الأثرية غير المعروفة للعامة على الرغم من أهميتها! واليوم نتحدث عن نوع آخر من التراث المعماري الثري الموجود في المملكة العربية السعودية. الحديث عن قصور جميلة رائعة يفوح منها عبق التاريخ، وأول هذه القصور هو «قصر المصمك»، ويُعرف في بعض الأحيان باسم «المسمك»، ويعني البناء السميك الحصين. وترجع أهمية هذا القصر لصلته بالملك عبد العزيز، الذي استعاد الحكم لآل سعود بعد أن فتح الرياض في 15 يناير (كانون الثاني) 1902... وقد حوّل هذا القصر إلى مستودع للذخيرة، وبعد ذلك إلى سجن، والآن يعد من المعالم المهمة جداً في استقلال وبناء دولة المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز آل سعود...

وينفرد القصر بعناصر معمارية جميلة، حيث إن بوابته الضخمة مصنوعة من الخشب الآثل وجذوع النخيل، وداخل القصر مكان للصلاة، وديوانية كبيرة بها موقد للنار، وتميز عمارة القصر الأبراج الأسطوانية الأربعة الموجودة في كل زاوية بارتفاع 18 متراً، وبُني من الطين.
وهناك أيضاً قصر آخر مشهور باسم «قصر عنيزة» الأثري، أو كما يطلق عليه أيضاً بيت البسام، ويطلق عليه الأثريون أيقونة من أيقونات التراث السعودي، ويقع في الجهة الغربية من محافظة عنيزة، وقد تم بناؤه عام 1402هـ، وقد اختاره الأمير سلطان بن سلمان ليكون ضمن المباني الطينية التي تجب المحافظة عليها، وتحول إلى موقع سياحي فريد. ويوجد أيضاً قصر إبراهيم، ويقع وسط حي الكوت الشعبي، ويُنسب هذا القصر إلى الوالي إبراهيم بن عفيصان أمير الأحساء في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد، الذي قام بتجديده كلياً، ويعود تاريخه إلى نحو 5 قرون، ويمتزج بفن الجزيرة العربية المعماري والعثماني، وقد استُعمل من قبل مقراً للحامية العثمانية، وإلى جانب القصر مسجد وحمامات تركية وسجن، ويقام داخل القصر الآن العديد من المحاضرات والندوات الثقافية.
أما أقدم قصور المملكة فهو «قصر مارد»، ويقع في دومة الجندل التابعة لمنطقة الجوف، وقد نلاحظ أن هناك مواقع كثيرة موجودة بهذا القصر الذي بني من الحجر المشغول على موقع صخري مرتفع. ويعود تاريخ القصر إلى القرن الأول الميلادي، وقد كُتب عن هذا القصر أنك عندما تنظر إليه كأنك تعيش في أسطورة قديمة انبثقت فجأة من عمق الزمن، ويُقال كما هو مكتوب في المجلة الرائعة «ترحال»، والتي تصدرها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وتعد مرجعاً مهماً جداً بالنسبة إلى آثار المملكة العربية السعودية: «وقد حاولت الملكة زنوبيا، ملكة تدمر، احتلال قلعة مارد وحصن الأبلق في تيماء وفشلت في تحقيق ذلك، وقالت قولتها المشهورة (تمرد مارد وعز الأبلق)»، وتعد قلعة مارد وحصن الأبلق في تيماء بناءً رائعاً متقناً يدل على حضارة عظيمة برعت في البناء والتشييد، وداخل القلعة عُثر على بئر عميقة مليئة بالمياه ولا تزال عامرة بالمياه العذبة، وقد تعجب زوار القلعة من هذا البناء السديد وأشهرهم جورج أوغست مالين عام 1845.