حسام عيتاني

في الذكرى السابعة لثورة 25 يناير 2011، يتزايد الإصرار على تصويرها كمحاولة انقلابية قادتها جماعة الإخوان المسلمين لتدمير الدولة والجيش المصريين وفرض السيطرة على المجتمع. لا مكان لتطلُّب الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة في تلك الثورة المجهضة، وفق السرد الحالي الذي تأتي بقيته على شكل عودة الأمور إلى نصابها وإنقاذ المركب من الغرق ونجاة الركاب من أنياب التماسيح المتربصة.

ولعل تلك الثورة وأخواتها العربيات، كانت بارقة الأمل الأخيرة في الخروج من «الاستثناء العربي» المؤلّف من ثنائية الاستبداد وتسييس الدين، ولبدء السير نحو بناء دول تستحق هذا الاسم تكون فيها حقوق الأفراد والجماعات وحرياتها وثقافاتها، مُصانة ومحترمة. هُزمت تلك الثورات وعادت الأمور، فعلاً، إلى نصابها ولو إلى حين اختمار العواصف المقبلة. نِصاب الديكتاتوريات مقابل الشعب والمحاكم العسكرية في مواجهة الأفراد واستغلال الدين ضد المؤمنين، والاستقرار ضد التنمية. وهذه كلها كلمات تحتاج إلى وضع بين مزدوجات للتشديد على مجانبتها معانيها الأصلية وانضوائها في حيز الاستعارات الأداتية من قبل السلطة.

من علامات الهزيمة أو التأجيل المديد لأي عملية إصلاح جذري عربية، أن يطوى مشروع الدولة الوطنية لمصلحة اللغو حولها. 

وأن يحال دون قيامها على أن يدور كلام كثير في شأنها. وأن تفشل في أداء مهماتها الداخلية والخارجية البسيطة، مقابل عُظام محوره ماضٍ متخيل ورُهاب من حاضر بائس. ومن سماتها أيضاً، الانغلاق الأصم عن قضايا الجوار القريب. فممنوع على اللبناني أن يستنكر فساد طبقته السياسية الحاكمة فيما تحاصره من البرّ والبحر. وغير مقبول من السوري أن يتحدث عن الديموقراطية في ظل نظام لم يتورّع عن قذف مواطنيه بغازات السارين والكلورين وغيرها وقتلهم بمئات الآلاف. ولا يحق للعراقي أن يحتج على الطائفية في حين ينشر القتلة الطائفيون مشاهد فظائعهم على مواقع الإنترنت من دون رقيب أو حسيب.

لقد حرمت «عودة الأمور إلى نصابها» ملايين المواطنين العرب من الحق في مساءلة فاسدين ومجرمي حرب وسجانين احترفوا تعذيب ضحاياهم. بل حرمتهم من أن يكونوا مواطنين بالمعنى الحقوقي للكلمة، وعمّمت استسهال إطلاق الأحكام على الظواهر والوقائع. فكل من يعارض هو «إخوان» أو يتلقى راتبه من أميركا وإسرائيل أو مدفوع من جهات خارجية للتخريب، ما يشكل نقلة نوعية في ممارسة التخوين والحرمان من حرية التعبير عن الرأي التي باتت بمثابة البداهة في العالم البعيد عن بلادنا.

وفي الذكرى المئوية لميلاد جمال عبد الناصر، لا بأس من التذكير أن واحداً من شعاراته الشهيرة، يتعرض اليوم إلى محاولة محمومة لقلبه على عقبه. 

وبغض النظر عن حكم التاريخ على الرئيس المصري الراحل، أهو ديكتاتور «بسيط» أمسك بالسلطة لتنفيذ برنامج تنموي غايته خير المصريين والعرب، أم هو ديكتاتور «مركّب» كان هدفه الوحيد هو السلطة من أجل السلطة وتوزيعها على أقرانه من أفراد النخبة العسكرية ولو على حساب إثخان المصريين بجراح الذل والهوان، فإن شعاره «ارفع رأسك يا أخي» ينقلب اليوم إلى نقيضه: «نكِّس رأسك يا أخي» وعُد إلى نعيم الاستقرار وراحة السبات المديد، وانسَ كل إشارة مرّت في الأعوام الماضية عن الكرامة والعدالة الاجتماعية والحق في العمل.

لقد عادت الأمور إلى نصابها.